الْبَالِغُونَ، وَأَنَّ الْفَرَائِض كُلَّهَا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ يَثْبُتُ بَعْضُهَا بِثُبُوتِ بَعْضٍ وَيَزُولُ بَعْضُهَا بِزَوَالِ بَعْضٍ حَتَّى فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمَّ زَعَمْت أَنَّ الصَّغِيرَةَ دَاخِلَةٌ فِي مَعْنَى فَرْضِ الْعِدَّةِ، وَهِيَ رَضِيعٌ غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ رَأَيْت إذْ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةَ فَسَنّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَاقِلَةِ بِجِنَايَةِ الْقَاتِلِ خَطَأً كَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا قَتَلَ إنْسَانًا كَانَتْ فِيهِ دِيَةٌ وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّ الصَّبِيَّ فِي كُلِّ مَا جَنَى عَلَى عَبْدٍ وَحُرٍّ مِنْ جِنَايَةٍ لَهَا أَرْشٌ، أَوْ أَفْسَدَ لَهُ مِنْ مَتَاعٍ، أَوْ اسْتَهْلَكَ لَهُ مِنْ مَالٍ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ كَمَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْكَبِيرِ وَجِنَايَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَلَيْسَ قَدْ زَعَمْت أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى فَرَائِضَ خَارِجٌ مِنْ فَرَائِضِ غَيْرِهَا؟ أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمْت أَنَّ الصَّلَاةَ، وَالزَّكَاةَ إذَا كَانَتَا مَفْرُوضَتَيْنِ فَإِنَّمَا تَثْبُتُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ لَا مَالَ لَهُ أَلَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْ فَرْضِ الزَّكَاةِ؟، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ فَرْضِ الزَّكَاةِ أَيَكُونُ خَارِجًا مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ؟ أَوْ رَأَيْت إنْ كَانَ ذَا مَالٍ فَيُسَافِرُ أَفَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ عَدَدِ الْحَضَرِ؟ أَفَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ عَدَدِ الزَّكَاةِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ مِنْ الصَّلَاةِ؟ أَرَأَيْت لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ سَنَةً أَلَيْسَ تَكُونُ الصَّلَاةُ عَنْهُ مَرْفُوعَةً أَفَتَكُونُ الزَّكَاةُ عَنْهُ مَرْفُوعَةً مِنْ تِلْكَ السَّنَةِ؟ أَوْ رَأَيْت لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تَحِيضُ عَشَرًا وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحِيضُ عَشَرًا أَلَيْسَ تَكُونُ الصَّلَاةُ عَنْهَا مَرْفُوعَةً فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا؟ وَأَمَّا الزَّكَاةُ عَلَيْهَا فِي الْحَوْلِ أَفَيُرْفَعُ عَنْهَا فِي الْأَيَّامِ الَّتِي حَاضَتْهَا أَنْ تَحْسِبَ عَلَيْهَا فِي عَدَدِ أَيَّامِ السَّنَةِ؟ فَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ هَكَذَا فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ الصَّلَاةَ تَثْبُتُ حَيْثُ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ، وَأَنْ يَكُونَ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ رَأَيْت الْمُكَاتَبَ أَلَيْسَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ ثَابِتَةً، وَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ عِنْدَك زَائِلَةً؟ فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ مِنْ الْبَالِغِينَ الْأَحْرَارِ وَغَيْرِ الْأَحْرَارِ، وَالصِّغَارِ مَنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ بَعْضُ الْفَرْضِ دُونَ بَعْضٍ؟ قَالَ: فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَمَّى نَفَرًا مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ فَقِيلَ لَهُ: لَوْ لَمْ تَكُنْ لَنَا حُجَّةٌ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَلَا بِغَيْرِهِ مِمَّا لَعَلَّنَا سَنَذْكُرُهُ إلَّا مَا رَوَيْت كُنْت مَحْجُوجًا بِهِ قَالَ: وَأَيْنَ قُلْت زَعَمْت أَنَّ التَّابِعِينَ لَوْ قَالُوا كَانَ لَك خِلَافُهُمْ بِرَأْيِك فَكَيْفَ جَعَلَتْهُمْ حُجَّةً لَا تَعْدُو أَنْ يَكُونَ مَا قُلْت مِنْ ذَلِكَ كَمَا قُلْت فَتُخْطِئُ بِاحْتِجَاجِك بِمَنْ لَا حُجَّةَ لَك فِي قَوْلِهِ، أَوْ يَكُونُ فِي قَوْلِهِمْ حُجَّةٌ فَتُخْطِئُ بِقَوْلِك لَا حُجَّةَ فِيهِ، وَخِلَافُهُمْ إيَّاكَ كَثِيرٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، فَإِذَا قِيلَ لَك: لِمَ خَالَفْتهمْ؟ قُلْت إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ قَوْلِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، أَوْ قِيَاسٍ دَاخِلٍ فِي مَعْنَى بَعْضِ هَذَا ثُمَّ أَنْتَ تُخَالِفُ بَعْضَ مَا رَوَيْت عَنْ هَؤُلَاءِ.
هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ فِيمَا رَوَيْت: لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ، وَأَنْتَ تَجْعَلُ فِي الْأَكْثَرِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةً؟ قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَخُصُّ مَالَ الْيَتِيمِ، فَإِذَا بَلَغَ فَأُعْلِمُهُ بِمَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ قُلْنَا: وَهَذِهِ حُجَّةٌ عَلَيْك لَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا، هَذَا لَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمَرَ وَالِيَ الْيَتِيمِ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ عَنْهُ زَكَاةً حَتَّى يَكُونَ هُوَ يَنْوِي أَدَاءَهَا عَنْ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِإِحْصَاءِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ وَعَدَدِ مَالِهِ إلَّا لِيُؤَدِّيَ عَنْ نَفْسِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ مَعَ أَنَّك تَزْعُمُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَأَنَّ الَّذِي رَوَاهُ لَيْسَ بِحَافِظٍ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَنَا حُجَّةٌ بِمَا أَوْجَدْنَاك إلَّا أَنَّ أَصْلَ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِك مِنْ أَنَّا لَا نُخَالِفُ الْوَاحِدَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنْ يُخَالِفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ كَانَتْ لَنَا بِهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْك، وَأَنْتُمْ تَرْوُونَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَلِيَ بَنِي أَبِي رَافِعٍ أَيْتَامًا فَكَانَ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَنَحْنُ نَرْوِيه عَنْهُ، وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَغَيْرِ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ قَبْلَنَا يَقُولُونَ بِهِ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute