للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَخَّرَهَا عَامًا لَا يَأْخُذُهَا فِيهِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): هَذَا إنَّمَا هُوَ فِيمَا أَخَذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَالطَّهُورَ إنَّمَا هُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَالدُّعَاءَ بِالْأَجْرِ وَالْبَرَكَةِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أَخَذَ صَدَقَةَ مُسْلِمٍ دَعَا لَهُ بِالْأَجْرِ وَالْبَرَكَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} أَيْ اُدْعُ لَهُمْ فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَهُوَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ زَكَاةٌ وَطَهُورٌ أَمْرُهُمَا وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ.

وَإِنْ سُمِّيَتْ مَرَّةً زَكَاةً وَمَرَّةً صَدَقَةً هُمَا اسْمَانِ لَهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقَدْ تُسَمِّي الْعَرَبُ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ بِالْأَسْمَاءِ الْكَثِيرَةِ، وَهَذَا بَيِّنٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي لِسَانِ الْعَرَبِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: " لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ لَا تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ " يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْ الزَّكَاةِ صَدَقَةٌ وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقَسْمِ صَدَقَةً فَقَالَ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةُ تَقُولُ: إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ يَعْنِي الَّذِي يَأْخُذُ الْمَاشِيَةَ وَتَقُولُ إذَا جَاءَ السَّاعِي، وَإِذَا جَاءَ الْعَامِلُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ وَلَا فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْأَغْلَبُ عَلَى أَفْوَاهِ الْعَامَّةِ أَنَّ فِي التَّمْرِ الْعُشْرَ وَفِي الْمَاشِيَةِ الصَّدَقَةَ وَفِي الْوَرِقِ الزَّكَاةَ، وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا كُلَّهُ صَدَقَةً، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لَهُ صَدَقَةٌ وَزَكَاةٌ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَهُمْ مَعْنًى وَاحِدٌ، فَمَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ مِنْ صَدَقَةِ مَالِهِ ضَأْنًا كَانَ، أَوْ مَاشِيَةً، أَوْ زَرْعًا، أَوْ زَكَاةَ فِطْرٍ، أَوْ خُمُسَ رِكَازٍ، أَوْ صَدَقَةَ مَعْدِنٍ، أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فِي كِتَابٍ، أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ أَمْرٍ أَجْمَعَ عَلَيْهِ عَوَامُّ الْمُسْلِمِينَ فَمَعْنَاهُ وَاحِدٌ أَنَّهُ زَكَاةٌ، وَالزَّكَاةُ صَدَقَةٌ وَقَسْمُهُ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ كَمَا قَسَمَهُ اللَّهُ.

الصَّدَقَاتُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهِيَ طَهُورٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَسْمُ الْفَيْءِ خِلَافُ قَسْمِ هَذَا وَالْفَيْءُ مَا أُخِذَ مِنْ مُشْرِكٍ هُوَ بِهِ لِأَهْلِ دِينِ اللَّهِ هُوَ مَوْضُوعٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ (قَالَ): يُقْسَمُ مَا أُخِذَ مِنْ حَقِّ مُسْلِمٍ وَجَبَ فِي مَالِهِ بِقَسْمِ اللَّهِ فِي الصَّدَقَاتِ سَوَاءٌ قَلِيلُ مَا أُخِذَ مِنْهُ وَكَثِيرُهُ، وَعُشْرُ مَا كَانَ، أَوْ خُمُسٌ، أَوْ رُبُعُ عُشْرٍ، أَوْ بِعَدَدٍ مُخْتَلِفٍ أَنْ يَسْتَوِيَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَجْمَعُهُ كُلَّهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الْآيَةَ فَبَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ الصَّدَقَاتُ ثُمَّ وَكَّدَهَا وَشَدَّدَهَا فَقَالَ {فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فَقَسْمُ كُلِّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ عَلَى قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهِيَ سُهْمَانٌ ثَمَانِيَةٌ لَا يُصْرَفُ مِنْهَا سَهْمٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْهُ عَنْ أَهْلِهِ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدٌ يَسْتَحِقُّهُ وَلَا تُخْرَجُ صَدَقَةُ قَوْمٍ مِنْهُمْ عَنْ بَلَدِهِمْ وَفِي بَلَدِهِمْ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ، فَإِنْ أَجَابُوك فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نِمْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: نَشَدْتُك اللَّهَ آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَتَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِنَا؟ قَالَ: نَعَمْ» (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْفُقَرَاءُ هَا هُنَا كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ حَاجَةٍ مِمَّنْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّهُمْ إنَّمَا يُعْطَى بِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَّا بِالِاسْمِ فَلَوْ أَنَّ ابْنَ السَّبِيلِ كَانَ غَنِيًّا لَمْ يُعْطَ، وَإِنَّمَا يُعْطَى ابْنُ السَّبِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>