وَالْإِسْلَامِ فَقَطْ، دُونَ الْغَنَاءِ.
وَمَنْ خَالَفَنَا فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ لَا يُخَالِفُنَا فِي قَسْمِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ. فَكَيْفَ جَازَ لَهُ أَنْ يُخَالِفَنَا فِي الصَّدَقَاتِ وَقَدْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ أَبَيْنَ الْقَسْمِ فَيُعْطِي بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ؟ وَإِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَهُ فِي الْمُوجِفِينَ لَوْ أَوَجَفُوا وَهُمْ أَهْلٌ لَا غَنَاءَ لَهُمْ عَلَى أَهْلِ ضَعْفٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَا غَنَاءَ عِنْدَهُمْ وَكَانَ بِإِزَائِهِمْ أَهْلُ غَنَاءٍ يُقَاتِلُونَ عَدُوًّا أَهْلَ شَوْكَةٍ شَدِيدَةٍ أَنْ يُعْطُوا مِمَّا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الضُّعَفَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الضُّعَفَاءِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا يُعْطَاهُ الْمُسْلِمُونَ ذَوُو الْغَنَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ الْمُشْرِكِينَ ذَوِي الْعَدَدِ وَالشَّوْكَةِ نَظَرًا لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ حَتَّى يُعْطَى بِالنَّظَرِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ الضُّعَفَاءُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الضُّعَفَاءِ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْأَقْوِيَاءِ الْمُقَاتِلِينَ لِلشِّرْكِ الْأَقْوِيَاءِ لِأَنَّ عَلَيْهِ مُؤْنَةً عَظِيمَةً فِي قِتَالِهِمْ وَهُمْ أَعْظَمُ غَنَاءً عَنْ الْمُسْلِمِينَ، وَلَكِنِّي أُعْطِي كُلَّ مُوجِفٍ حَقَّهُ، فَكَيْفَ جَازَ أَنْ تُنْقَلَ صَدَقَاتُ قَوْمٍ يَحْتَاجُونَ إلَيْهَا إلَى غَيْرِهِمْ إنْ كَانُوا أَحْوَجَ مِنْهُمْ أَوْ يُشْرِكَهُمْ مَعَهُمْ، أَوْ يَنْقُلَهَا مِنْ صِنْفٍ مِنْهُمْ إلَى صِنْفٍ، وَالصِّنْفُ الَّذِينَ نَقَلَهَا عَنْهُمْ يَحْتَاجُونَ إلَى حَقِّهِمْ؟ أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ لِقَوْمٍ أَهْلِ يُسْرٍ كَثِيرٍ أَوَجَفُوا عَلَى عَدُوٍّ: أَنْتُمْ أَغْنِيَاءُ فَآخُذُ مَا أَوَجَفْتُمْ عَلَيْهِ فَأُقَسِّمُهُ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ الْمُحْتَاجِينَ إذَا كَانَ عَامُ سَنَةٍ لِأَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ مُسْلِمُونَ مِنْ عِيَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا مَالٌ مِنْ مَالِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَخَافُ إنْ حَبَسْت هَذَا عَنْهُمْ وَلَيْسَ يَحْضُرُنِي مَالٌ غَيْرُهُ أَنْ يَضُرَّ بِهِمْ ضَرَرًا شَدِيدًا، وَأَخْذُهُ مِنْكُمْ لَا يَضُرُّ بِكُمْ هَلْ تَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَهُ: مَنْ قَسَمَ لَهُ أَحَقُّ بِمَا قَسَمَ مِمَّنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهُ أَحْوَجَ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ: إنَّهَا بِقِسْمَةٍ مَقْسُومَةٍ لَهُمْ بَيِّنَةُ الْقَسْمِ، أَوْ رَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ فِي أَهْلِ الْمَوَارِيثِ الَّذِينَ قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ أَوْ الَّذِينَ جَاءَ أَثَرٌ بِالْقَسْمِ لَهُمْ أَوْ فِيهِمَا مَعًا، إنَّمَا وَرِثُوا بِالْقَرَابَةِ وَالْمُصِيبَةِ بِالْمَيِّتِ.
فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ أَحَدٌ خَيْرًا لِلْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ وَلِتَرِكَتِهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَفْقَرَ إلَى مَا تَرَكَ أُوثِرَ بِمِيرَاثِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا ذُو حَقٍّ فِي حَالٍ هَلْ تَكُونُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَا نَعْدُو مَا قَسَمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَهَكَذَا الْحُجَّةُ فِي قَسْمِ الصَّدَقَاتِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَلَيْسَتْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ هَذَا شُبْهَةٌ يَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يَذْهَبَ إلَيْهَا ذَاهِبٌ؛ لِأَنَّهَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إبْطَالُ حَقِّ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ حَقًّا وَإِبَاحَةُ أَنْ يَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ الْوَالِي فَيَنْقُلُهَا إلَى ذِي قَرَابَةٍ لَهُ وَاحِدٍ أَوْ صِدِّيقٍ بِبَلَدٍ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي بِهِ الصَّدَقَاتُ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَاحْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي نَقْلِ الصَّدَقَاتِ بِأَنْ قَالَ: إنَّ بَعْضَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ قَالَ: إنْ جُعِلَتْ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ وَاَلَّذِي قَالَ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَكُونُ قَوْلُهُ حُجَّةً تُلْزِمُ وَهُوَ لَوْ قَالَ هَذَا لَمْ يَكُنْ قَالَ إنْ جُعِلَتْ فِي صِنْفٍ وَأَصْنَافٍ مَوْجُودَةٍ، وَنَحْنُ نَقُولُ كَمَا قَالَ إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْأَصْنَافِ إلَّا صِنْفٌ أَجْزَأَ أَنْ تُوضَعَ فِيهِ، وَاحْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ طَاوُسًا رَوَى أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ الْيَمَنِ: ائْتُونِي بِعُرْضِ ثِيَابٍ آخُذُهَا مِنْكُمْ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): صَالَحَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ ذِمَّةِ الْيَمَنِ عَلَى دِينَارٍ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ كُلَّ سَنَةٍ فَكَانَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الرَّجُلِ دِينَارٌ أَوْ قِيمَتُهُ مِنْ الْمَعَافِرِ كَانَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ الدِّينَارُ فَلَعَلَّ مُعَاذًا لَوْ أَعَسَرُوا بِالدِّينَارِ أَخَذَ مِنْهُمْ الشَّعِيرَ وَالْحِنْطَةَ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا عِنْدَهُمْ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الدِّينَارَ لِغَرَضٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute