للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ؟ أَلَيْسَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الَّذِي عَلَيْك فِي مَالِك إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ وَجَبَ لِغَيْرِك فَلَا يَحِلُّ لِلسُّلْطَانِ تَرْكُهُ لَك وَلَا لَك حَبْسُهُ إنْ تَرَكَهُ لَك السُّلْطَانُ عَمَّنْ جَعَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ؟.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَلَسْت أَعْلَمُ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الرِّكَازِ وَلَوْ جَازَ هَذَا فِي الرِّكَازِ جَازَ فِي جَمِيعِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي مَالِهِ أَنْ يَحْبِسَهُ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يَدَعَهُ لَهُ فَيَبْطُلُ حَقٌّ مِنْ قَسْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ فَقَالَ: إنَّا رَوَيْنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلًا وَجَدَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَوْ خَمْسَةَ آلَافٍ فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا قَضَاءً بَيِّنًا، أَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَلَكَ وَخُمْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ " ثُمَّ قَالَ: " وَالْخُمْسُ مَرْدُودٌ عَلَيْك ".

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْقُضُ بَعْضُهُ بَعْضًا إذْ زَعَمَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ وَخُمْسٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَالِي يَرَى لِلْمُسْلِمِينَ فِي مَالِ رَجُلٍ شَيْئًا ثُمَّ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ أَوْ يَدَعُهُ لَهُ وَالْوَاجِبُ عَلَى الْوَالِي أَنْ لَوْ مَنَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا لَهُمْ فِي مَالِهِ أَنْ يُجَاهِدَهُ عَلَيْهِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا عَنْ عَلِيٍّ مُسْتَنْكَرٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ أَنَّهُ قَالَ " أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ لَك وَاقْسِمْ الْخُمْسَ عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِك " وَهَذَا الْحَدِيثُ أَشْبَهَ بِعَلِيٍّ لَعَلَّ عَلِيًّا عَلِمَهُ أَمِينًا وَعَلِمَ فِي أَهْلِهِ فُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَهُ فِيهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهُمْ مُخَالِفُونَ مَا رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَلَيْسَ لِلْوَالِي أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ السُّهْمَانِ الْمَقْسُومَةِ بَيْنَ مَنْ سَمَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا مِنْ الصَّدَقَةِ تَطَوُّعًا وَاَلَّذِي زَعَمُوا أَنَّ عَلِيًّا تَرَكَ لَهُ خُمْسَ رِكَازِهِ، وَهَذَا رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ سِوَاهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّ الْوَالِيَ إذَا أَخَذَ مِنْهُ وَاجِبًا فِي مَالِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَالِي أَنْ يَعُودَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى أَحَدٍ وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَوْ وَلِيَهَا هُوَ دُونَ الْوَالِي لَمْ يَكُنْ لَهُ حَبْسُهَا وَلَا دَفْعُهَا إلَى أَحَدٍ يَعُولُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إعَادَتُهَا عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ أَخَذَهَا مِنْهُ، أَوْ تَرْكُهَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُ، وَهَذَا إبْطَالُهَا بِكُلِّ وَجْهٍ وَخِلَافُ مَا يَقُولُونَ وَإِذَا صَارَ لَهُ أَنْ يَكْتُمَهَا وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عَلَيْهِ وَتَرْكُهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَأَخْذُهَا سَوَاءٌ، وَقَدْ أَبْطَلَ بِهَذَا الْقَوْلِ السُّنَّةَ فِي أَنَّ فِي الرِّكَازِ الْخُمْسَ وَأَبْطَلَ بِهِ حَقَّ مَنْ قَسَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ أَهْلِ السُّهْمَانِ الثَّمَانِيَةِ.

فَإِنْ قَالَ لَا يَصْلُحُ هَذَا إلَّا فِي الرِّكَازِ قِيلَ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: فَإِذَا صَلُحَ فِي الرِّكَازِ وَهُوَ مِنْ الصَّدَقَاتِ صَلُحَ فِي كُلِّهَا وَلَوْ جَازَ لَك أَنْ تَخُصَّ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ قُلْت يَصْلُحُ فِي الْعُشُورِ وَصَدَقَاتِ الْمَاشِيَةِ، وَقَالَ غَيْرِي وَغَيْرُك يَصْلُحُ فِي صَدَقَةِ الرِّقَّةِ وَلَا يَصْلُحُ فِي هَذَا، فَإِنْ قَالَ: فَإِنَّمَا هُوَ خُمْسٌ وَكَذَلِكَ الْحَقُّ فِيهِ كَمَا الْحَقُّ فِي الزَّرْعِ الْعُشْرُ، وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ، وَفِي الْمَاشِيَةِ مُخْتَلِفَةٌ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ كُلَّ هَذَا، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ بِقَدْرِ مَا جُعِلَ فِيهِ وَيُقْسَمُ كُلٌّ حَيْثُ قَسْمُ الصَّدَقَاتِ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَاتِ فَقَالَ: لَا يَأْخُذُ مِنْهَا أَحَدٌ لَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَلَا يُعْطَى مِنْهَا أَحَدٌ مِائَتِي دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ لَا يَكُونُ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلَا شَيْءٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا شَيْئًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا بِضَعْفِ حِرْفَةٍ أَوْ كَثْرَةِ عِيَالٍ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهَا فَيَكُونُ مُحْتَاجًا بِضَعْفِ الْحِرْفَةِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْعِيَالِ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ إنَّمَا هِيَ مَا عَرَفَ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ حَالِ الطَّالِبِ لِلزَّكَاةِ وَمَالِهِ لَا عَلَى قَدْرِ الْمَالِ فَقَطْ فَكَيْفَ إذَا كَانَ الرَّجُلُ لَهُ مِائَةٌ مِنْ الْعِيَالِ وَمِائَتَا دِرْهَمٍ لَا يُعْطَى، وَهَذَا الْمُحْتَاجُ الْبَيِّنُ الْحَاجَةِ، وَآخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ وَلَا عِيَالَ لَهُ وَلَيْسَ بِالْغِنَى أُعْطِيَ وَالنَّاسُ يَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا الَّذِي أُمِرَ بِإِعْطَائِهِ أَقْرَبُ مِنْ الْغِنَى وَاَلَّذِي نُهِيَ عَنْ إعْطَائِهِ أَبْعَدُ مِنْ الْغِنَى وَلِمَ إذَا كَانَ الْغَارِمُ يُعْطَى مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْغُرْمِ لَا يُعْطَى الْفَقِيرُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ الْفَقْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ

<<  <  ج: ص:  >  >>