للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: مِنْ أَهْلِ جِزْيَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تُؤْخَذُ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ عَلَى وَجْهِهَا فَبِيعَتْ فَيُبْتَاعُ بِهَا إبِلٌ جِلَّةٌ فَيَبْعَثُ بِهَا إلَى عُمَرَ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَخْبَرْنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَحْيَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: بَعَثَ عَبْدُ الْمَلِكِ بَعْضَ الْجَمَاعَةِ بِعَطَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَكَتَبَ إلَى وَالِي الْيَمَامَةِ أَنْ يَحْمِلَ مِنْ الْيَمَامَةِ إلَى الْمَدِينَةِ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ يُتِمُّ بِهَا عَطَاءَهُمْ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَالُ إلَى الْمَدِينَةِ أَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوهُ وَقَالُوا: أَيُطْعِمُنَا أَوْسَاخَ النَّاسِ وَمَا لَا يَصْلُحُ لَنَا أَنْ نَأْخُذَهُ لَا نَأْخُذُهُ أَبَدًا، فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ الْمَلِكِ فَرَدَّهُ وَقَالَ: لَا تَزَالُ فِي الْقَوْمِ بَقِيَّةٌ مَا فَعَلُوا هَكَذَا، قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ؟ وَمَنْ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَتَكَلَّمُ: قَالَ أَوَّلُهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي رِجَالٍ كَثِيرَةٍ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَوْلُهُمْ لَا يَصْلُحُ لَنَا أَيْ لَا يَحِلُّ لَنَا أَنْ نَأْخُذَ الصَّدَقَةَ وَنَحْنُ أَهْلُ الْفَيْءِ وَلَيْسَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي الصَّدَقَةِ حَقٌّ وَمِنْ أَنْ يَنْقُلَ عَنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ غَيْرِهِمْ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَإِذَا أُخِذَتْ الْمَاشِيَةُ فِي الصَّدَقَةِ وَوُسِمَتْ وَأُدْخِلَتْ الْحَظِيرَ، وَوُسِمَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ فِي أَفْخَاذِهَا وَالْغَنَمُ فِي أُصُولِ آذَانِهَا وَمِيسَمُ الصَّدَقَةِ مَكْتُوبٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَتُوسَمُ الْإِبِلُ الَّتِي تُؤْخَذُ فِي الْجِزْيَةِ مِيسَمًا مُخَالِفًا لِمِيسَمِ الصَّدَقَةِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ مِيسَمَ الصَّدَقَةِ مُخَالِفٌ لِمِيسَمِ الْجِزْيَةِ؟ قِيلَ: فَإِنَّ الصَّدَقَةَ أَدَّاهَا مَالِكُهَا لِلَّهِ وَكُتِبَتْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى أَنَّ مَالِكَهَا أَخْرَجَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِبِلُ الْجِزْيَةِ أُدِّيَتْ صِغَارًا لَا أَجْرَ لِصَاحِبِهَا فِيهَا.

أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ: إنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةٌ عَمْيَاءُ قَالَ: " أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ " قَالَ: بَلْ مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ عَلَيْهَا مِيسَمَ الْجِزْيَةِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَرْقٍ بَيْنَ الْمِيسَمَيْنِ أَيْضًا

وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ مِثْلَ قَوْلِنَا أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَقَالُوا: سَبِيلُ الرِّكَازِ سَبِيلُ الصَّدَقَاتِ وَرَوَوْا مِثْلَ مَا رَوَيْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فِي الرِّكَازِ الْخَمْسُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْمَعَادِنُ مِنْ الرِّكَازِ وَفِي كُلِّ مَا أُصِيبَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ فَهُوَ رِكَازٌ وَلَوْ أَصَابَهُ غَنِيٌّ أَوْ فَقِيرٌ كَانَ رِكَازًا فِيهِ الْخُمْسُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): ثُمَّ عَادَ لِمَا شَدَّدَ فِيهِ كُلَّهُ فَأَبْطَلَهُ فَزَعَمَ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا وَجَدَ رِكَازًا فَوَاسِعٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكْتُمَهُ الْوَالِي وَلِلْوَالِي أَنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ وَيَدَعُهُ لَهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): أَوْ رَأَيْت إذْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمْسَ وَزَعَمَ أَنَّ كُلَّ مَا أُخِذَ مِنْ مُسْلِمٍ قَسْمٌ عَلَى قَسْمِ الصَّدَقَاتِ فَقَدْ أَبْطَلَ الْحَقَّ بِالسُّنَّةِ فِي أَخْذِهِ وَحَقَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَسْمِهِ.

وَالْخُمْسُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ فِي مَالِهِ لِمَسَاكِينَ جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ فَكَيْفَ جَازَ لِلْوَالِي أَنْ يَتْرُكَ حَقًّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَالِهِ، وَذَلِكَ الْحَقُّ لِمَنْ قَسَمَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ؟ أَرَأَيْت لَوْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا فِي عُشْرِ الطَّعَامِ أَوْ زَكَاةِ الذَّهَبِ أَوْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا الْحُجَّةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>