للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ، أَوْ اخْتَرْت قَبْلَ اللَّيْلِ إجَازَةَ الْبَيْعِ انْقَطَعَ الْخِيَارُ فِي الرَّدِّ، قُلْت فَكَيْفَ لَا تَعْرِفُ أَنَّ هَذَا قَطَعَ الْخِيَارَ فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ أَنْ يَتَفَرَّقَا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ، دَعْهُ، قُلْت نَعَمْ بَعْدَ الْعِلْمِ مِنِّي بِأَنَّك إنَّمَا عَمَدْت تَرْكَ الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ قَطْعَ الْخِيَارِ الْبَيْعَ التَّفَرُّقُ أَوْ التَّخْيِيرُ كَمَا عَرَفْتُهُ فِي جَوَابِك قَبْلَهُ، فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت إنْ زَعَمْتَ أَنَّ الْخِيَارَ إلَى مُدَّةٍ، وَزَعَمْتَ أَنَّهَا أَنْ يَتَفَرَّقَا فِي الْكَلَامِ، أَيُقَالُ لِلْمُتَسَاوِمَيْنِ أَنْتُمَا بِالْخِيَارِ؟ قَالَ نَعَمْ، السَّائِمُ فِي أَنْ يَرُدَّ أَوْ يَدَعَ، وَالْبَائِعُ فِي أَنْ يُوجِبَ، أَوْ يَدَعَ، قُلْت أَلَمْ يَكُونَا قَبْلَ التَّسَاوُمِ هَكَذَا؟ قَالَ بَلَى، قُلْت: فَهَلْ أَحْدَثَ لَهُمَا التَّسَاوُمُ حُكْمًا غَيْرَ حُكْمِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِهِ إنْ شَاءَ أَعْطَاهُ، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُ؟ قَالَ لَا، قُلْت: فَيُقَالُ لِإِنْسَانٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك الَّذِي لَمْ تُوجِبْ فِيهِ شَيْئًا لِغَيْرِك فَالسَّائِمُ عِنْدَك لَمْ يُوجِبْ فِي مَالِهِ شَيْئًا لِغَيْرِهِ إنَّك لِتُحِيلَ فِيمَا تُجِيبُ فِيهِ مِنْ الْكَلَامِ، قَالَ فَلِمَ لَا أَقُولُ لَك أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك؟ قُلْت لِمَا وَصَفْت لَك، وَإِنْ قُلْت ذَلِكَ إلَى مُدَّةٍ تَرَكْت قَوْلَك، قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْت وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إلَى مُدَّةٍ فَإِذَا اخْتَارَ انْقَطَعَ خِيَارُهُ كَمَا قُلْت إذَا جَعَلْتَهُ بِالْخِيَارِ يَوْمًا، فَمَضَى الْيَوْمُ انْقَطَعَ الْخِيَارُ، قَالَ أَجَلْ وَكَذَلِكَ إذَا أَوْجَبَ الْبَيْعَ فَهُوَ إلَى مُدَّةٍ، قُلْت لَمْ أُلْزِمْهُ قَبْلَ إيجَابِ الْبَيْعِ شَيْئًا فَيَكُونُ فِيهِ يَخْتَارُ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِك مَا جَازَ أَنْ يُقَالَ أَنْتَ بِالْخِيَارِ إلَى مُدَّةٍ، إنَّمَا يُقَالُ، أَنْتَ بِالْخِيَارِ أَبَدًا، قَالَ: فَإِنْ قُلْت الْمُدَّةُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ مِلْكِهِ؟ قُلْت، وَإِذَا أَخْرَجَهُ مِنْ مِلْكِهِ، فَهُوَ لِغَيْرِهِ، أَفَيُقَالُ، لِأَحَدٍ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي مَالِ غَيْرِك؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَاهِلًا عَارَضَك بِمِثْلِ حُجَّتِك، فَقَالَ قَدْ قُلْت الْمُتَسَاوِمَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ مُتَبَايِعَيْنِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك يَحْتَمِلُ تَفَرُّقَ الْأَبَدَانِ وَالتَّفَرُّقَ بِالْكَلَامِ، فَإِنْ تَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، فَلَا خِيَارَ لَهُمَا، وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يُعْطِيَ بَيِّعَهُ مَا بَذَلَ لَهُ مِنْهُ، وَعَلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يُسَلِّمَ سِلْعَتَهُ لَهُ بِمَا اسْتَامَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ لَهُ الرُّجُوعُ عَمَّا بَذَلَهَا بِهِ إذَا تَفَرَّقَا، قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، قُلْت وَلَا لَك.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ أَفَلَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَمْلِكَ سِلْعَتَك وَتَمْلِكَ مَالِي ثُمَّ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا الرَّدُّ بِغَيْرِ عَيْبٍ أَوْ لَيْسَ يَقْبُحُ أَنْ أَبْتَاعَ مِنْك عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقُهُ قَبْلَ أَنْ نَتَفَرَّقَ، وَلَا يَجُوزُ عِتْقِي وَأَنَا مَالِكٌ؟ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): قُلْت لَيْسَ يَقْبُحُ فِي هَذَا شَيْءٌ، إلَّا دَخَلَ عَلَيْك أَعْظَمُ مِنْهُ، قَالَ، وَمَا ذَلِكَ؟ قُلْت أَرَأَيْت إنْ بِعْتُك عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَتَقَابَضْنَا وَتَشَارَطْنَا أَنَّا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ إلَى ثَلَاثِينَ سَنَةٍ؟ قَالَ، فَجَائِزٌ، قُلْت وَمَتَى شَاءَ وَاحِدٌ مِنَّا نَقْضَ الْبَيْعِ نَقَضَهُ، وَرُبَّمَا مَرِضَ الْعَبْدُ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ سَيِّدُهُ وَانْتَفَعَ الْبَائِعُ بِالْمَالِ، وَرُبَّمَا الْمُبْتَاعُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَسْتَغِلَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَخَذَهُ بِدَيْنٍ وَلَمْ يَنْتَفِعْ الْبَائِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الْمُبْتَاعِ وَقَدْ عَظُمَتْ مَنْفَعَةُ الْمُبْتَاعِ بِمَالِ الْبَائِعِ؟ قَالَ نَعَمْ هُوَ رَضِيَ بِهَذَا، قُلْت، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي فِي الثَّلَاثِينَ سَنَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ الْبَائِعُ جَازَ، قَالَ نَعَمْ قُلْت فَإِنَّمَا جَعَلْتُ لَهُ الْخِيَارَ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا»، وَلَعَلَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ، أَوْ لَا يَبْلُغُ يَوْمًا كَامِلًا لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى الْوُضُوءِ أَوْ تَفَرُّقِهِمْ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَبَّحْتَهُ، وَجَعَلَتْ لَهُ الْخِيَارَ ثَلَاثِينَ سَنَةٍ بِرَأْيِ نَفْسِك فَلِمَ تُقَبِّحُهُ؟ قَالَ: ذَلِكَ بِشَرْطِهِمَا، قُلْتُ فَمَنْ شَرَطَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ لَهُ شَرْطُهُ مِمَّنْ شَرَطَ لَهُ بَائِعٌ وَمُشْتَرٍ، وَقُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ اشْتَرَيْتُ مِنْك كَيْلًا مِنْ طَعَامٍ مَوْصُوفٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ فَجَائِزٌ، قُلْتُ وَلَيْسَ لِي وَلَا لَك نَقْضُ الْبَيْعِ قَبْلَ تَفَرُّقٍ؟ قَالَ لَا، قُلْتُ، وَإِنْ تَفَرَّقْنَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفَلَيْسَ قَدْ وَجَبَ لِي عَلَيْك شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ لِي وَلَا لَك نَقْضُهُ ثُمَّ انْتَقَضَ بِغَيْرِ رِضَا وَاحِدٍ مِنَّا بِنَقْضِهِ؟ قَالَ نَعَمْ إنَّمَا نَقَضْنَاهُ اسْتِدْلَالًا بِالسُّنَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>