«نَهَى عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ»، قُلْتُ، فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ، أَهْلُ الْحَدِيثِ يُوَهِّنُونَ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَكُنْ هَذَا دَيْنًا لِأَنِّي مَتَى شِئْتُ أَخَذْتَ مِنْكَ دَرَاهِمِي الَّتِي بِعْتُك بِهَا إذَا لَمْ أُسَمِّ لَك أَجَلًا، وَالطَّعَامُ إلَى مُدَّتِهِ، قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، قُلْتُ وَلِمَ وَعَلَيْكَ فِيهِ لِمَنْ طَالَبَكَ أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا أَنَّك تُجِيزُ تَبَايُعَ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْعَرَضَ بِالنَّقْدِ وَلَا يُسَمِّيَانِ أَجَلًا وَيَفْتَرِقَانِ قَبْلَ التَّقَابُضِ وَلَا تَرَى بَأْسًا وَلَا تَرَى هَذَا دَيْنًا بِدَيْنٍ، فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا عِنْدَك احْتَمَلَ اللَّفْظُ أَنْ يُسَلِّفَ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ بِشَرْطِ سِلْعَةٍ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْهَا، فَيَكُونُ حَالًّا غَيْرَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ وَلَكِنَّهُ عَيْنٌ بِدَيْنٍ قَالَ: بَلْ هُوَ دَيْنٌ بِدَيْنٍ قُلْتُ، فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ فَلَوْ كَانَ كَمَا وَصَفْتَ أَنَّهُمَا إذَا تَبَايَعَا فِي السَّلَفِ فَتَفَرَّقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ انْتَقَضَ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ، وَلَزِمَك أَنَّك قَدْ فَسَخْت الْعُقْدَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الصَّحِيحَةَ بِتَفَرُّقِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا.
وَالتَّفَرُّقُ عِنْدَك فِي الْبُيُوعِ لَيْسَ لَهُ مَعْنَى إنَّمَا الْمَعْنَى فِي الْكَلَامِ، أَوْ لَزِمَك أَنْ تَقُولَ فِي الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا: إنَّ لِتُفَرِّقْهُمَا بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يُوجِبُهُ كَمَا كَانَ لِتَفَرُّقِ هَذَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا مَعْنًى يَنْقُضُهُ وَلَا تَقُولُ هَذَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ، فَإِنَّا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ، الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، قُلْتُ أَرَأَيْتَ إذَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا وَصَفْتَ لَوْ كَانَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَوْلًا يُخَالِفُهُ أَلَا يَكُونُ الَّذِي تَذْهَبُ إلَيْهِ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ سَمِعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا لَمْ يُخَالِفْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَقُولُ قَدْ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِهِمْ بَعْضُ السُّنَنِ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ أَفَتَرَى فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةً؟ فَقَالَ عَامَّةُ مَنْ حَضَرَهُ: لَا، قُلْتُ: وَلَوْ أَجَزْتَ هَذَا خَرَجَتْ مِنْ عَامَّةِ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْكَ مَا لَا تُعْذَرُ مِنْهُ، قَالَ فَدَعْهُ، قُلْتُ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ عُمَرَ، وَقَدْ رَوَيْتُمْ عَنْ عُمَرَ مِثْلَ قَوْلِنَا، زَعَمَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَهَذَا مِثْلُ مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَهَذَا مُنْقَطِعٌ قُلْتُ وَحَدِيثُك الَّذِي رَوَيْت عَنْ عُمَرَ غَلَطٌ، وَمَجْهُولٌ، أَوْ مُنْقَطِعٌ، فَهُوَ جَامِعٌ لِجَمِيعِ مَا تُرَدُّ بِهِ الْأَحَادِيثُ، قَالَ لَئِنْ أَنْصَفْنَاك مَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ، فَقُلْتُ احْتِجَاجُك بِهِ مَعَ مَعْرِفَتِكَ بِمَنْ حَدَّثَهُ وَعَمَّنْ حَدَّثَهُ تَرْكُ النَّصَفَةِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْتُ لَهُ: لَوْ كَانَ كَمَا رَوَيْتَ، كَانَ بِمَعْنَى قَوْلِنَا أَشْبَهَ وَكَانَ خِلَافَ قَوْلِكَ كُلِّهِ، قَالَ وَمَنْ أَيْنَ؟ قُلْتُ أَرَأَيْت إذْ زَعَمْتَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ الْبَيْعُ عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ أَلَيْسَ تَزْعُمُ أَنَّ الْبَيْعَ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إمَّا بِصَفْقَةٍ، وَإِمَّا بِخِيَارٍ؟ قَالَ: بَلَى قُلْتُ أَفَيَجِبُ الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْبَيْعُ بِغَيْرِ خِيَارٍ؟ قَالَ نَعَمْ: قُلْتُ وَيَجِبُ بِالْخِيَارِ، قَالَ تُرِيدُ مَاذَا؟ قُلْتُ مَا يَلْزَمُك قَالَ وَمَا يَلْزَمُنِي؟ قُلْتُ تَزْعُمُ أَنَّهُ يَجِبُ الْخِيَارُ بِلَا صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّهُ إذَا زَعَمَ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ عَلِمْنَا أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ كَمَا تَقُولُ فِي الْمَوْلَى يَفِيءُ أَوْ يُطَلِّقُ وَفِي الْعَبْدِ يَجْنِي يُسَلَّمُ أَوْ يُفْدَى وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ قَالَ: مَا يَصْنَعُ الْخِيَارُ شَيْئًا إلَّا بِصَفْقَةٍ تَقْدُمُهُ أَوْ تَكُونُ مَعَهُ وَالصَّفْقَةُ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الْخِيَارِ فَهِيَ إنْ وَقَعَتْ مَعَهَا خِيَارٌ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ لَيْسَ مَعَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَجَبَتْ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَقَدْ زَعَمْتُ أَنَّ قَوْلَهُ أَوْ خِيَارٌ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ فَدَعْ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ بَعْدَ الْعِلْمِ بِعِلْمِك إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّك زَعَمْتُ أَنَّ مَا ذَهَبْتُ إلَيْهِ مُحَالٌ قَالَ: فَمَا مَعْنَاهُ عِنْدَك؟ قُلْتُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ هَذَا مُوَفَّقًا لَمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute