إنَّهُ مُحْتَبَسٌ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ بِحَقٍّ لَهُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؟. فَقِيلَ لَهُ بِالْخَبَرِ، وَكَمَا يَكُونُ الْمَنْزِلُ مُحْتَبَسًا بِإِجَارَةٍ فِيهِ ثُمَّ يَتْلَفُ الْمَنْزِلُ بِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ وُجُوهِ التَّلَفِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُكْتَرِي سَلَّفَ الْكِرَاءَ رَجَعَ بِهِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَكَمَا يَكُونُ الْعَبْدُ مُؤَجَّرًا أَوْ الْبَعِيرُ مُكْرًى فَيَكُونُ مُحْتَبَسًا بِالشَّرْطِ، وَلَا ضَمَانَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَا فِي حُرٍّ لَوْ كَانَ مُؤَجَّرًا فَهَلَكَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): إنَّمَا الرَّهْنُ وَثِيقَةٌ كَالْحَمَالَةِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ لَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَكَفَلَ لَهُ بِهَا جَمَاعَةٌ عِنْدَ وُجُوبِهَا أَوْ بَعْدَهُ كَانَ الْحَقُّ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَكَانَ الْحُمَلَاءُ ضَامِنِينَ لَهُ كُلُّهُمْ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ كَانَ لِلَّذِي لَهُ الْحَقُّ أَنْ يَأْخُذَ الْحُمَلَاءَ كَمَا شَرَطَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَبْرَأُ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ آخِرَ حَقِّهِ، وَلَوْ هَلَكَ الْحُمَلَاءُ أَوْ غَابُوا لَمْ يُنْقِصْ ذَلِكَ حَقَّهُ وَرَجَعَ بِهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ أَصْلُ الْحَقِّ.
وَكَذَلِكَ الرَّهْنُ لَا يُنْقِصُ هَلَاكُهُ، وَلَا نُقْصَانُهُ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ وَأَنَّ السُّنَّةَ الْمُبَيِّنَةَ بِأَنْ لَا يُضْمَنَ الرَّهْنُ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنَّةٌ كَأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلرَّاهِنِ وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَهُ بِحَقِّهِ لَا مُتَعَدِّيًا بِحَبْسِهِ دَلَالَةً بَيِّنَةً أَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلُنَا فِي الرَّهْنِ إذَا كَانَ مِمَّا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ مِثْلُ الدَّارِ وَالنَّخْلِ وَالْعَبِيدِ وَخَالَفْنَا بَعْضَهُمْ فِيمَا يَخْفَى هَلَاكُهُ مِنْ الرَّهْنِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَاسْمُ الرَّهْنِ جَامِعٌ لِمَا يَظْهَرُ هَلَاكُهُ وَيَخْفَى، وَإِنَّمَا جَاءَ الْحَدِيثُ جُمْلَةً ظَاهِرًا وَمَا كَانَ جُمْلَةً ظَاهِرًا فَهُوَ عَلَى ظُهُورِهِ وَجُمْلَتِهِ إلَّا أَنْ تَأْتِيَ دَلَالَةٌ عَمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَوْ يَقُولَ الْعَامَّةُ عَلَى أَنَّهُ خَاصٌّ دُونَ عَامٍّ وَبَاطِنٌ دُونَ ظَاهِرٍ، وَلَمْ نَعْلَمْ دَلَالَةً جَاءَتْ بِهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَصِيرُ إلَيْهَا. وَلَوْ جَازَ هَذَا بِغَيْرِ دَلَالَةٍ جَازَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الرَّهْنُ الَّذِي يَذْهَبُ بِهِ إذَا هَلَكَ هَلَكَ حَقُّ صَاحِبِهِ الْمُرْتَهِنِ الظَّاهِرُ الْهَلَاكِ؛ لِأَنَّ مَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ فَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالرِّضَا مِنْهُمَا بِأَنَّهُ بِمَا فِيهِ أَوْ مَضْمُونٌ بِقِيمَتِهِ.
وَأَمَّا مَا خَفِيَ هَلَاكُهُ فَرَضِيَ صَاحِبُهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ يَعْلَمُ أَنَّ هَلَاكَهُ خَافٍ فَقَدْ رَضِيَ فِيهِ أَمَانَتَهُ فَهُوَ أَمِينُهُ فَإِنْ هَلَكَ لَمْ يَهْلَكْ مِنْ مَالِ الْمُرْتَهِنِ شَيْءٌ فَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا قَوْلٌ أَبَدًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إذَا جَازَ أَنْ يَصِيرَ خَاصًّا بِلَا دَلَالَةٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ فِيهِ عِنْدَنَا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ أَمَانَةٌ كُلُّهُ لِمَا وَصَفْنَا مِنْ دَفْعِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ بِرِضَاهُ وَحَقٍّ أَوْجَبَهُ فِيهِ كَالْكَفَالَةِ، وَلَا يَعْدُو الرَّهْنُ أَنْ يَكُونَ أَمَانَةً فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ أَنَّ مَا ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلَاكَهُ مِنْ الْأَمَانَةِ سَوَاءٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ أَوْ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ أَنَّ مَا كَانَ مَضْمُونًا فَمَا ظَهَرَ وَخَفِيَ هَلَاكُهُ مِنْ الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ ذَلِكَ سُنَّةٌ أَوْ أَثَرٌ لَازِمٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ مِثْلُهُ، وَلَيْسَ نَعْرِفُهُ مَعَ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ أَصْحَابِنَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَدْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مَعَهُمْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَخَالَفْنَا بَعْضَ النَّاسِ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ فِيهِ إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ رَهْنًا بِحَقٍّ لَهُ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ فَإِنْ هَلَكَ الرَّهْنُ نَظَرْنَا فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ رَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِالْفَضْلِ، وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ، وَلَمْ يَرْجِعْ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): كَأَنَّهُ فِي قَوْلِهِمْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا أَلْفَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْأَلْفُ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وَهُوَ فِي التِّسْعمِائَةِ أَمِينٌ أَوْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا مِائَةً بِمِائَةٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْمِائَةُ فَالرَّهْنُ بِمَا فِيهِ؛ لِأَنَّ مِائَةً ذَهَبَتْ بِمِائَةٍ أَوْ رَجُلٌ رَهَنَ رَجُلًا خَمْسِينَ دِرْهَمًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنْ هَلَكَتْ الْخَمْسُونَ ذَهَبَتْ بِخَمْسِينَ ثُمَّ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسِينَ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِمْ عَرَضٌ يَسْوَى مَا وَصَفْنَا بِمِثْلِ هَذَا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقِيلَ لِبَعْضِ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ هَذَا قَوْلٌ لَا يَسْتَقِيمُ بِهَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّكُمْ جَعَلْتُمْ رَهْنًا وَاحِدًا مَضْمُونًا مَرَّةً كُلَّهُ وَمَضْمُونًا مَرَّةً بَعْضَهُ وَمَرَّةً بَعْضَهُ بِمَا فِيهِ وَمَرَّةً يَرْجِعُ بِالْفَضْلِ فِيهِ فَهُوَ فِي قَوْلِكُمْ لَا مَضْمُونًا بِمَا يُضْمَنُ بِهِ مَا ضُمِنَ؛ لِأَنَّ مَا