للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ضُمِنَ إنَّمَا يُضْمَنُ بِعَيْنِهِ فَإِنْ فَاتَ فَقِيمَتُهُ، وَلَا بِمَا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ فَمِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ؟ فَهَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا بِخَبَرٍ يَلْزَمُ النَّاسَ الْأَخْذُ بِهِ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ إلَّا تَسْلِيمُهُ؟.

قَالُوا رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ قُلْنَا فَهُوَ إذًا قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَكُمْ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ بِأَمَانَةٍ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ إنَّهُ مَضْمُونٌ كُلُّهُ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ جَمِيعِ مَا يُضْمَنُ مِمَّا إذَا فَاتَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْنَا قَدْ رَوَيْتُمْ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ - وَهُوَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا بِرِوَايَةِ أَصْحَابِنَا فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ، وَقَالَ فَأَيْنَ؟ قُلْنَا زَعَمْتُمْ أَنَّهُ قَالَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَأَنْتَ تَقُولُ إنْ رَهَنَهُ أَلْفًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمِائَةٌ بِمِائَةٍ وَهُوَ فِي التِّسْعِمِائَةِ أَمِينٌ وَاَلَّذِي رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيهِ أَنَّ الرَّاهِنَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ.

قَالَ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ قَالَ: الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ، وَإِنْ كَانَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ. قُلْنَا فَأَنْتَ أَيْضًا تُخَالِفُهُ قَالَ وَأَيْنَ؟ قُلْنَا: أَنْتَ تَقُولُ إنْ رَهَنَهُ مِائَةً بِأَلْفٍ أَوْ خَاتَمًا يَسْوَى دِرْهَمًا بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ الرَّهْنُ رَجَعَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ بِتِسْعِمِائَةٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَبِتِسْعَةٍ فِي الْخَاتَمِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَشُرَيْحٌ لَا يَرُدُّ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِحَالٍ. فَقَالَ: فَقَدْ رَوَى مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَجُلًا رَهَنَ رَجُلًا فَرَسًا فَهَلَكَ الْفَرَسُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَهَبَ حَقُّك».

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقِيلَ لَهُ أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ زَعَمَ الْحَسَنُ كَذَا ثُمَّ حَكَى هَذَا الْقَوْلَ قَالَ إبْرَاهِيمُ كَانَ عَطَاءٌ يَتَعَجَّبُ مِمَّا رَوَى الْحَسَنُ وَأَخْبَرَنِي بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ وَأَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَوَاهُ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَكَتَ عَنْ الْحَسَنِ. فَقِيلَ لَهُ أَصْحَابُ مُصْعَبٍ يَرْوُونَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ الْحَسَنِ فَقَالَ نَعَمْ، وَكَذَلِكَ حَدَّثَنَا، وَلَكِنَّ عَطَاءً مُرْسَلٌ اتَّفَقَ مِنْ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وَهْنُ هَذَا عِنْدَ عَطَاءٍ إنْ كَانَ رَوَاهُ أَنَّ عَطَاءً يُفْتِي بِخِلَافِهِ وَيَقُولُ فِيهِ بِخِلَافِ هَذَا كُلِّهِ وَيَقُولُ فِيمَا ظَهَرَ هَلَاكُهُ أَمَانَةٌ وَفِيمَا خَفِيَ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَهَذَا أَثْبَتَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ يَتَرَادَّانِ مُطْلَقُهُ وَمَا شَكَكْنَا فِيهِ فَلَا نَشُكُّ أَنَّ عَطَاءً إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - لَا يَرْوِي عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَيْئًا مُثْبَتًا عِنْدَهُ وَيَقُولُ بِخِلَافِهِ مَعَ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا رَوَى هَذَا عَنْ عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ إلَّا مُصْعَبٌ وَاَلَّذِي رَوَى هَذَا عَنْ عَطَاءٍ يَرْفَعُهُ يُوَافِقُ قَوْلَ شُرَيْحٍ " إنَّ الرَّهْنَ بِمَا فِيهِ " قَالَ، وَكَيْفَ يُوَافِقُهُ؟ قُلْنَا: قَدْ يَكُونُ الْفَرَسُ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ وَمِثْلَهُ وَأَقَلَّ، وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ قِيمَةِ الْفَرَسِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ قَالَهُ رَأَى أَنَّ الرَّهْنَ بِمَا فِيهِ. قَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذْ بِهِ؟.

قُلْنَا: لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا لَمْ يَكُنْ مِنْ الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُومُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ فَكَيْفَ، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلًا بَيِّنًا مُفَسَّرًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْحُجَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَصَمَتْنَا عَنْهَا قَالَ فَكَيْفَ قَبِلْتُمْ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُنْقَطِعًا، وَلَمْ تَقْبَلُوهُ عَنْ غَيْرِهِ؟. قُلْنَا: لَا نَحْفَظُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيِّبِ رَوَى مُنْقَطِعًا إلَّا وَجَدْنَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَسْدِيدِهِ، وَلَا أَثَرُهُ عَنْ أَحَدٍ فِيمَا عَرَفْنَاهُ عَنْهُ إلَّا ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ فَمَنْ كَانَ بِمِثْلِ حَالِهِ قَبِلْنَا مُنْقَطِعَهُ وَرَأَيْنَا غَيْرَهُ يُسَمِّي الْمَجْهُولَ وَيُسَمِّي مَنْ يُرْغَبُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَيُرْسِلُ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَلْحَقْ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُسْتَنْكَرَ الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ شَيْءٌ يُسَدِّدُهُ فَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمْ لِافْتِرَاقِ أَحَادِيثِهِمْ، وَلَمْ نُحَابِ أَحَدًا، وَلَكِنَّا قُلْنَا فِي ذَلِكَ بِالدَّلَالَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ صِحَّةِ رِوَايَتِهِ.

وَقَدْ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَأْخُذُوا بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِيهِ؟. قُلْنَا: إذَا ثَبَتَ عِنْدَنَا عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا وَعِنْدَك وَعِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَنَا أَنْ نَتْرُكَ مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ. قَالَ: فَقَدْ رَوَى عَبْدُ الْأَعْلَى التَّغْلِبِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ شَبِيهًا بِقَوْلِنَا قُلْنَا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنْ يَتَرَادَّانِ الْفَضْلَ أَصَحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>