بِرِضًا مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَثَمَنٍ مَعْلُومٍ، وَعِنْدَنَا لَا تَجِبُ إلَّا بِأَنْ يَتَفَرَّقَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي مِنْ مَقَامِهِمَا، أَوْ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَيَخْتَارُ إجَازَةَ الْبَيْعِ ثُمَّ تَخْتَلِفُ الْبُيُوعُ فَيَكُونُ مِنْهَا الْمُتَصَارِفَانِ لَا يَحِلُّ لَهُمَا أَنْ يَتَبَايَعَا ذَهَبًا بِذَهَبٍ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الذَّهَبُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ ثُمَّ يَكُونَانِ إنْ تَصَارَفَا ذَهَبًا بِوَرِقٍ فَلَا بَأْسَ بِالْفَضْلِ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ يَدًا بِيَدٍ فَإِنْ تَفَرَّقَ الْمُتَصَارِفَانِ الْأَوَّلَانِ، أَوْ هَذَانِ قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا انْتَقَضَ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْمُتَبَايِعَانِ السِّلْعَةَ سِوَى الصَّرْفِ يَتَبَايَعَانِ الثَّوْبَ بِالنَّقْدِ وَيَقْبِضُ الثَّوْبَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَدْفَعُ الثَّمَنَ إلَّا بَعْدَ حِينٍ فَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ السَّلَفُ فِي الشَّيْءِ الْمَضْمُونِ إلَى أَجَلٍ يُعَجِّلُ الثَّمَنَ وَيَكُونُ الْمُشْتَرَى غَيْرَ حَالٍّ عَلَى صَاحِبِهِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مَضْمُونًا وَيُضَيَّقُ فِيمَا كَانَ يَكُونُ غَيْرَ هَذَا مِنْ الْبُيُوعِ الَّتِي جَازَتْ فِي هَذَا مَعَ اخْتِلَافِ الْبُيُوعِ فِي غَيْرِ هَذَا وَكُلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ جُمْلَةً اسْمُ الْبَيْعِ، وَلَا يَحِلُّ إلَّا بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا فَحُكْمُهُمَا فِي هَذَا وَاحِدٌ وَفِي سِوَاهُ مُخْتَلِفٌ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقَبْضُ الْإِجَارَاتِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَفْعُ الثَّمَنِ كَمَا يَجِبُ دَفْعُ الثَّمَنِ إذَا دُفِعَتْ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرَاةُ بِعَيْنِهَا أَنْ يَدْفَعَ الشَّيْءَ الَّذِي فِيهِ الْمَنْفَعَةُ إنْ كَانَ عَبْدًا اُسْتُؤْجِرَ دَفَعَ الْعَبْدَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيرًا دَفَعَ الْبَعِيرَ، وَإِنْ كَانَ مَسْكَنًا دَفَعَ الْمَسْكَنَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ الَّتِي فِيهِ كَمَالُ الشَّرْطِ إلَى الْمُدَّةِ الَّتِي اشْتَرَطَ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ دَفْعٌ إلَّا هَكَذَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: هَذَا دَفْعُ مَا لَا يُعْرَفُ فَهَذَا مِنْ عِلَّةِ أَهْلِ الْجَهَالَةِ الَّذِينَ أَبْطَلُوا الْإِجَارَاتِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَالْمَنْفَعَةُ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ قَائِمَةٍ إلَى مُدَّةٍ كَدَفْعِ الْعَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ عَيْنٍ تُرَى فَهِيَ مَعْقُولَةٌ مِنْ عَيْنٍ وَلَيْسَ دَفْعُ الْمَنْفَعَةِ بِدَفْعِ الشَّيْءِ الَّذِي بِهِ الْمَنْفَعَةُ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَنْفَعَةُ غَيْرَ عَيْنٍ تُرَى حِينَ دُفِعَتْ فَأَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ الْبَيْعُ مِنْ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَيْنٍ، وَإِذَا صَحَّ أَنْ يَمْلِكَهَا مِنْ السِّلْعَةِ وَالْمَسْكَنِ وَهِيَ غَيْرُ عَيْنٍ، وَلَا مَضْمُونَةٍ فَلَمْ تَفْسُدْ كَمَا زَعَمَ مَنْ أَفْسَدَهَا؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ عَيْنٍ فَهِيَ كَالْعَيْنِ بِأَنَّهَا مِنْ عَيْنٍ، فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ انْتَفَعُوا بِهِ مِنْ عَيْنٍ مَعْرُوفَةٍ وَأَجَازَهُ الْمُسْلِمُونَ لَهُ فَدَفَعَهُ إذَا دَفَعَ كَمَا لَا يُسْتَطَاعُ غَيْرُهُ أَوْلَى أَنْ يَقُومَ مَقَامَ الدَّفْعِ مِنْ الْأَعْيَانِ وَالدَّفْعُ أَخَفُّ مِنْ مِلْكِ الْعُقْدَةِ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ تَفْسُدُ فَيَبْطُلُ الدَّفْعُ وَالدَّفْعُ يَفْسُدُ، وَلَا تَفْسُدُ الْعُقْدَةُ، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ مَعْرُوفًا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عَيْنِهِ مِنْ عَيْنٍ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمُ كَمَا يَصِحُّ مِلْكُ الْأَعْيَانِ جَازَ أَنْ يَكُونَ الدَّفْعُ لِلْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ يَقُومُ مَقَامَ دَفْعِ الْأَعْيَانِ إذَا دُفِعَتْ الْعَيْنُ الَّتِي فِيهَا الْمَنْفَعَةُ فَهُوَ كَدَفْعِ الْعَيْنِ إذَا كَانَ هَذَا الدَّفْعُ الَّذِي لَا يُسْتَطَاعُ فِيهَا غَيْرُهُ أَبَدًا.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقَالَ قَوْلَنَا فِي إجَازَةِ الْإِجَارَاتِ بَعْضُ النَّاسِ وَشَدَّدَهَا وَاحْتَجَّ فِيهَا بِالْآثَارِ وَزَعَمَ أَنَّ مَا احْتَجَجْنَا بِهِ فِيهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِي رَدِّهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا ثُمَّ عَادَ لِمَا ثَبَتَ مِنْهَا فَقَالَ فِيهَا أَقَاوِيلَ كَأَنَّهُ عَمَدَ نَقْضَ بَعْضِ مَا ثَبَتَ مِنْهَا وَتَوْهِينَ مَا شُدِّدَ فَقَالَ: الْإِجَارَاتُ جَائِزَةٌ، وَقَالَ: إذَا اسْتَأْجَرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ عَبْدًا، أَوْ مَنْزِلًا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَجَّرَ بِالْإِجَارَةِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ الْإِجَارَةِ بِقَدْرِ مَا اُخْتُدِمَ الْعَبْدُ، أَوْ سَكَنَ الْمَسْكَنَ كَأَنَّهُ تَكَارَى بَيْتًا بِثَلَاثِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ فَمَا لَمْ يَسْكُن لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ثُمَّ إذَا سَكَنَ يَوْمًا، فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ثُمَّ هَكَذَا عَلَى هَذَا الْحِسَابِ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ " الْخَبَرُ وَإِجْمَاعُ الْفُقَهَاءِ بِإِجَازَةِ الْإِجَارَةِ ثَابِتٌ عِنْدَنَا، وَعِنْدَك وَالْإِجَارَةُ مِلْكٌ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ لِلْمَنْفَعَةِ وَمِنْ الْمُؤَجَّرِ لِلْعِوَضِ الَّذِي بِالْمَنْفَعَةِ وَالْبُيُوعُ إنَّمَا هِيَ تَحْوِيلُ الْمِلْكِ مِنْ شَيْءٍ لِمُلْكِ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الْإِجَارَةُ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ لَيْسَتْ الْإِجَارَةُ بِبَيْعٍ قُلْنَا وَكَيْفَ زَعَمْت أَنَّهَا لَيْسَتْ بِبَيْعٍ وَهِيَ تَمْلِيكُ شَيْءٍ بِتَمْلِيكِ غَيْرِهِ؟ قَالَ، أَلَا تَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute