للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسْلِمْ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ يُوَالِي مَنْ شَاءَ؟ قَالَ: قِيَاسًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: فِي الْمَنْبُوذِ هُوَ حُرٌّ وَلَك، وَلَاؤُهُ، قُلْت أَفَرَأَيْت الْمَنْبُوذَ إذَا بَلَغَ أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت لَا؛ لِأَنَّ الْوَالِيَ عَقَدَ الْوَلَاءَ عَلَيْهِ قُلْت أَفَيَكُونُ لِلْوَالِي أَنْ يَعْقِدَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْبِقْ بِهِ حُرِّيَّةٌ، وَلَمْ يَعْقِدْ عَلَى نَفْسِهِ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت هَذَا حُكْمٌ مِنْ الْوَالِي؟ قُلْت أَوْ يَحْكُمُ الْوَالِي عَلَى غَيْرِ سَبَبٍ مُتَقَدِّمٍ يَكُونُ بِهِ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ حَقٌّ، أَوْ يَكُونُ صَغِيرًا يَبِيعُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَمَا يُصْلِحُهُ، وَإِنْ كَانَ كَمَا وَصَفْت أَفَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِحُكْمِ الْوَالِي لِلْمُلْتَقَطِ فَقِسْت الْمَوَالِيَ عَلَيْهِ؟.

قُلْت، فَإِذَا وَالَى فَأَثْبَت عَلَيْهِ الْوَلَاءَ، وَلَا تَجْعَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ بِوَلَائِهِ مَا لَمْ يُعْقَلْ عَنْهُ فَأَنْتَ تَقُولُ يَنْتَقِلُ بِوَلَائِهِ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت ذَلِكَ فِي اللَّقِيطِ؟ قُلْت، فَقَدْ زَعَمْت أَنَّ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ الْحُكْمَ، قَالَ: فَإِنْ قُلْت لَيْسَ لِلَّقِيطِ، وَلَا لِلْمُوَالَى أَنْ يَنْتَقِلَ، وَإِنْ لَمْ يُعْقَلْ عَنْهُ؟ قُلْت فَهُمَا يَفْتَرِقَانِ، قَالَ: وَأَيْنَ افْتِرَاقُهُمَا؟ قُلْت اللَّقِيطُ لَمْ يَرْضَ شَيْئًا، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْحُكْمُ بِلَا رِضًا مِنْهُ، قَالَ: وَلَكِنْ بِنِعْمَةٍ مِنْ الْمُلْتَقِطِ عَلَيْهِ، قُلْت فَإِنْ أَنْعَمَ عَلَى غَيْرِ لَقِيطٍ أَكْثَرَ مِنْ النِّعْمَةِ عَلَى اللَّقِيطِ فَأَنْقَذَ مِنْ قَتْلٍ وَغَرَقٍ وَحَرْقٍ وَسَجْنٍ وَأَعْطَاهُ مَالًا أَيَكُونُ لِأَحَدٍ بِهَذَا، وَلَاؤُهُ؟ قَالَ: لَا: قُلْت، فَإِذَا كَانَ الْمُوَالَى لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ إلَّا بِرِضَاهُ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلَّقِيطِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَكَيْفَ قِسْته عَلَيْهِ؟ قَالَ: وَلِأَيِّ شَيْءٍ خَالَفْتُمْ حَدِيثَ عُمَرَ؟ قُلْنَا: وَلَيْسَ مِمَّا يَثْبُتُ مِثْلُهُ هُوَ عَنْ رَجُلٍ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، وَعِنْدَنَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَتْ وَلَاءَ بَنِي يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَدْ أَجَازَتْ مَيْمُونَةُ وَابْنُ عَبَّاسٍ هِبَةَ الْوَلَاءِ فَكَيْفَ تَرَكْته؟ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ؛ قُلْنَا أَفَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيُهُ عَلَى غَيْرِ التَّحْرِيمِ؟ قَالَ: هُوَ عَلَى التَّحْرِيمِ، وَإِنْ احْتَمَلَ غَيْرَهُ، قُلْت: فَإِنْ قَالَ: لَك قَائِلٌ لَا يَجْهَلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَيْمُونَةُ كَيْفَ وَجْهُ نَهْيِهِ.

قَالَ قَدْ يَذْهَبُ عَنْهُمَا الْحَدِيثُ رَأْسًا فَتَقُولُ لَيْسَ فِي أَحَدٍ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُجَّةٌ، قُلْت فَكَيْفَ أَغْفَلْت هَذِهِ الْحُجَّةَ فِي اللَّقِيطِ؟ فَلَمْ تَرَهَا تَلْزَمُ غَيْرَك كَمَا لَزِمَتْك حُجَّتُك فِي أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ يَعْزُبُ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ وَأَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَلَا يُحَالُ إلَى بَاطِنٍ، وَلَا خَاصٍّ إلَّا بِخَبَرٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَنْ غَيْرِهِ، قَالَ: فَهَكَذَا نَقُولُ: قُلْت نَعَمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَفِي بَعْضِ الْأَمْرِ دُونَ بَعْضٍ، قَالَ: قَدْ شَرَكَنَا فِي هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِك.

قُلْت أَفَحَمِدْت ذَلِكَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: لَا قُلْت فَلَا أَشْرُكُهُمْ فِيمَا لَمْ تَحْمَدْ، وَفِيمَا نَرَى الْحُجَّةَ فِي غَيْرِهِ.

فَقَالَ: لِمَنْ حَضَرْنَا مِنْ الْحِجَازِيِّينَ: أَكَمَا قَالَ: صَاحِبُكُمْ فِي أَنْ لَا وَلَاءَ إلَّا لِمَنْ أَعْتَقَ؟ فَقَالُوا نَعَمْ وَبِذَلِكَ جَاءَتْ السُّنَّةُ، قَالَ: فَإِنَّ مِنْكُمْ مَنْ يُخَالِفُ فِي السَّائِبَةِ وَالذِّمِّيِّ يَعْتِقُ الْمُسْلِمَ، قَالُوا: نَعَمْ.

قَالَ: فَيُكَلِّمُهُ بَعْضُكُمْ أَوْ أَتَوَلَّى كَلَامَهُ لَكُمْ؟ قَالُوا افْعَلْ فَإِنْ قَصُرْت تَكَلَّمْنَا؛ قَالَ: فَأَمَّا أَتَكَلَّمُ عَنْ أَصْحَابِك فِي وَلَاءِ السَّائِبَةِ مَا تَقُولُ فِي وَلَاءِ السَّائِبَةِ وَمِيرَاثِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ إلَّا مَنْ سَيَّبَهُ؟ فَقُلْت، وَلَاؤُهُ لِمَنْ سَيَّبَهُ وَمِيرَاثُهُ لَهُ.

قَالَ فَمَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قُلْت الْحُجَّةُ الْبَيِّنَةُ أَمُعْتَقُ الْمُسَيَّبِ لِلْمُسَيِّبِ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَقَدْ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ مِيرَاثَ الْمُعْتَقِ لِمَنْ أَعْتَقَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ دُونَهُ مَنْ يَحْجُبُهُ بِأَصْلِ فَرِيضَةٍ.

قَالَ: فَهَلْ مِنْ حُجَّةٍ غَيْرِ هَذِهِ؟ قُلْت مَا أَحْسَبُ أَحَدًا سَلَكَ طَرِيقَ النَّصَفَةِ يُرِيدُ وَرَاءَهَا حُجَّةً، قَالَ: بَلَى.

وَقُلْت لَهُ: قَالَ: اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} قَالَ: وَمَا مَعْنَى هَذَا؟ قُلْت سَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُعْتِقُ عَبْدَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ سَائِبَةً فَيَقُولُ لَا أَرِثُهُ، وَيَفْعَلُ فِي الْوَصِيلَةِ مِنْ الْإِبِلِ وَالَحَّامِ أَنْ لَا يُرْكَبَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ} عَلَى مَعْنَى مَا جَعَلْتُمْ فَأَبْطَلَ شُرُوطَهُمْ فِيهَا وَقَضَى أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّ الْبَحِيرَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالَحَّامَ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>