للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كَانَ الْعِتْقُ فِي حُكْمِ الْإِسْلَامِ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَى الْبَهَائِمِ، قَالَ: فَهَلْ تَأَوَّلَ أَحَدٌ السَّائِبَةَ عَلَى بَعْضِ الْبَهَائِمِ؟ قُلْت: نَعَمْ. وَهَذَا أَشْبَهُ الْقَوْلَيْنِ بِمَا يَعْرِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ: أَفَرَأَيْت قَوْلَك قَدْ أَعْتَقْتُك سَائِبَةً أَلَيْسَ خِلَافَ قَوْلِك قَدْ أَعْتَقْتُك؟ قُلْت أَمَّا فِي قَوْلِك أَعْتَقْتُك فَلَا، وَأَمَّا فِي زِيَادَةِ سَائِبَةً فَنَعَمْ. قَالَ: فَهُمَا كَلِمَتَانِ خَرَجَتَا مَعًا فَإِنَّمَا أَعْتَقَهُ عَلَى شَرْطٍ، قُلْت: أَوْ مَا أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ عَلَى شَرْطِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِلْبَائِعِينَ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّرْطَ؟ فَقَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» قَالَ: بَلَى: قُلْت، فَإِذَا أَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْطَ الْبَائِعِ وَالْمُبْتَاعِ الْمُعْتِقِ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَ الْبَيْعُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ وَرَدَّهُ إلَى الْمُعْتِقِ فَكَيْفَ لَا يَبْطُلُ شَرْطُ الْمُعْتِقِ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ؟ قَالَ: فَإِنْ قُلْت فَلَهُ الْوَلَاءُ، وَلَا يَرِثُهُ؟ قُلْت فَقُلْ إذًا الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ الْمُشْتَرَطِ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِهِ، وَلَا يَرِثُهُ، قَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ أُثْبِتَ لَهُ الْوَلَاءَ وَأَمْنَعَهُ الْمِيرَاثَ وَدِينَاهُمَا وَاحِدٌ.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الرَّجُلَ يَمْلِكُ أَبَاهُ وَيَتَسَرَّى الْجَارِيَةَ وَيَمُوتُ لِمَنْ، وَلَاءُ هَذَيْنِ؟ قَالَ: لِمَنْ عَتَقَا بِمِلْكِهِ وَفِعْلِهِ، قُلْت أَفَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَلَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ.

هَذَا وَرِثَ أَبَاهُ فَيُعْتِقُهُ، وَإِنْ كُرِهَ، وَهَذَا وَلَدَتْ جَارِيَتُهُ، وَلَمْ يُعْتِقْهَا بِالْوَلَدِ، وَهُوَ حَيٌّ فَأَعْتَقَهَا بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ وَلَاءٌ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا غَيْرُ مُعْتَقٍ هَلْ حُجَّتُنَا وَحُجَّتُك عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا زَالَ عَنْهُ الرِّقُّ بِسَبَبِ مَنْ يَحْكُمُ لَهُ بِالْمِلْكِ كَانَ لَهُ وَلَاؤُهُ؟ قَالَ: لَا وَكَفَى بِهَذَا حُجَّةً مِنْك، وَهَذَا فِي مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ، قُلْت فَالْمُعْتَقُ سَائِبَةً هُوَ الْمُعْتَقُ، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ الَّذِي فِي مَعَانِي الْمُعْتَقِينَ، قَالَ، فَإِنَّ الْقَوْمَ يَذْكُرُونَ أَحَادِيثَ، قُلْت فَاذْكُرْهَا قَالَ: ذَكَرُوا أَنَّ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ أَعْتَقَ سَائِبَةً، قُلْت وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ أَعْتَقَ رَجُلٌ سَائِبَةً فَهُوَ حُرٌّ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، قَالَ: فَيَذْكُرُونَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ مَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ وَيَذْكُرُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سَائِبَةً أَعْتَقَهُ رَجُلٌ مِنْ الْحَاجِّ فَأَصَابَهُ غُلَامٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَقَضَى عُمَرُ عَلَيْهِمْ بِعَقْلِهِ، فَقَالَ: أَبُو الْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ لَوْ أَصَابَ ابْنِي، قَالَ: إذًا لَا يَكُونُ لَهُ شَيْءٌ، قَالَ: فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ، قَالَ: عُمَرُ فَهُوَ إذًا مِثْلُ الْأَرْقَمِ، فَقُلْت لَهُ هَذَا إذَا ثَبَتَ بِقَوْلِنَا أَشْبَهُ، قَالَ وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت؛ لِأَنَّهُ لَوْ رَأَى وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ رَأَى عَلَيْهِمْ عَقْلَهُ، وَلَكِنْ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَأَى عَقْلَهُ عَلَى مَوَالِيهِ فَلَمَّا كَانُوا لَا يُعْرَفُونَ لَمْ يَرَ فِيهِ عَقْلًا حَتَّى يَعْرِفَ مَوَالِيَهُ، وَلَوْ كَانَ عَلَى مَا تَأَوَّلُوا، وَكَانَ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ مَا قَالُوا كَانُوا يُخَالِفُونَهُ، قَالَ: وَأَيْنَ؟ قُلْت هُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ السَّائِبَةَ لَوْ قُتِلَ كَانَ عَقْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْنُ نَرْوِي عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِثْلَ مَعْنَى قَوْلِنَا، قَالَ: فَاذْكُرْهُ: قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ طَارِقَ بْنَ الْمُرَقَّعِ أَعْتَقَ أَهْلَ بَيْتٍ سَوَائِبَ فَأَتَى بِمِيرَاثِهِمْ، فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَعْطُوهُ وَرَثَةَ طَارِقٍ فَأَبَوْا أَنْ يَأْخُذُوا، فَقَالَ: عُمَرُ فَاجْعَلُوهُ فِي مِثْلِهِمْ مِنْ النَّاسِ، قَالَ: فَحَدِيثُ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ قُلْت يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ آلِ طَارِقٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ عَنْهُمْ فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ مُرْسَلٌ قَالَ: فَهَلْ غَيْرُهُ؟ قُلْت أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سَائِبَةً فَمَاتَ فَقَالَ: عَبْدُ اللَّهِ هُوَ لَك قَالَ: لَا أُرِيدُ قَالَ فَضَعْهُ إذًا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنَّ لَهُ وَارِثًا كَثِيرًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو طُوَالَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا عَمْرَةُ بِنْتُ يعار أَعْتَقَتْهُ سَائِبَةً فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ: أَعْطُوهُ عَمْرَةَ فَأَبَتْ تَقَبُّلَهُ، قَالَ: قَدْ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ قُلْت فَمَا كُنَّا نَحْتَاجُ إلَيْهَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَإِذَا اخْتَلَفَتْ فَاَلَّذِي يَلْزَمُنَا أَنْ نَصِيرَ إلَى أَقْرَبِهَا مِنْ السُّنَّةِ، وَمَا قُلْنَا مَعْنَى السُّنَّةِ مَعَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِالْكِتَابِ، قَالَ: فَإِنْ قَالُوا إنَّمَا أَعْتَقَ السَّائِبَةَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ، قُلْنَا: فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَعْتَقْتُك عَنْ نَفْسِي سَائِبَةً لَا عَنْ غَيْرِي وَأَشْهَدُ بِهَذَا الْقَوْلِ قَبْلَ الْعِتْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>