عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَضَعَ مِيرَاثَ مَوْلًى لَهُ نَصْرَانِيٍّ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عَنْهُ وَأَوْلَاهُمَا بِهِ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ»، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ خِلَافُ هَذَا قَالَ، فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَرْكَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ قُلْت نَعَمْ وَأَظْهَرُ مَعَانِيهِ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرِثَ كَافِرًا وَأَنَّهُ إذَا مَنَعَ الْمِيرَاثَ لِلْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالزَّوْجِ بِالْكُفْرِ كَانَ مِيرَاثُ الْمَوْلَى أَوْلَى أَنْ يَمْنَعَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَبْعَدُ مِنْ ذِي النَّسَبِ قَالَ: فَمَا حُجَّتُك عَلَى أَحَدٍ إنْ خَالَفَك فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ عَنْ الرَّجُلِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَالَ الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ دُونَ الْمُعْتِقِ لِعَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْعِتْقَ عَنْهُ؟ قُلْت أَصْلُ حُجَّتِي عَلَيْك مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، وَهَذَا مُعْتِقٌ قَالَ، فَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ كَانَ الْوَلَاءُ لِلْآمِرِ الْمُعْتَقِ عَنْهُ عَبْدُهُ، وَهَذَا مُعْتَقٌ عَنْهُ قُلْت نَعَمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَإِنَّمَا مَلَّكَهُ عَبْدَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْهُ بَعْدَمَا مَلِكَهُ قَالَ: أَفَقَبَضَهُ الْمَالِكُ الْمُعْتَقُ عَنْهُ؟ قُلْت إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ فَعِتْقُهُ أَكْثَرُ مِنْ قَبْضِهِ هُوَ لَوْ قَبَضَهُ قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت إذَا جَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَعْتَقَهُ فَجَازَ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ لَهُ مَاضِي الْأَمْرِ فِيهِ مَا لَمْ يَرْجِعْ فِي وَكَالَتِهِ وَجَازَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعَبْدَ مِنْ الرَّجُلِ فَيُعْتِقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ تَفَرُّقِهِمَا عَنْ الْمَقَامِ الَّذِي تَبَايَعَا فِيهِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَيَنْفُذُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ جَازَ إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُ الْعَبْدِ عَبْدَهُ أَنْ يُنَفِّذَ عَلَيْهِ عِتْقَهُ وَعِتْقَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ قَالَ: وَالْوَلَاءُ لِلْآمِرِ قُلْت نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ مُعْتِقٌ قَالَ: وَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ مُعْتِقًا، وَإِنَّمَا أَعْتَقَ عَنْهُ غَيْرُهُ بِأَمْرِهِ؟ قُلْت إذَا أَمَرَ بِالْعِتْقِ رَجُلًا فَأَعْتَقَ عَنْهُ فَهُوَ وَكِيلٌ لَهُ جَائِزُ الْعِتْقِ، وَهُوَ الْمُعْتِقُ إذَا وَكَّلَ وَنَفَذَ الْعِتْقُ بِأَمْرِهِ قَالَ: فَكَيْفَ؟ قُلْت فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَنْ غَيْرِهِ عَبْدَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ الْعِتْقُ جَائِزٌ قُلْت نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَ مَا يَمْلِكُ قَالَ أَرَأَيْت قَوْلَهُ هُوَ حُرٌّ عَنْ فُلَانٍ أَلِهَذَا مَعْنًى؟ قُلْت أَمَّا مَعْنَى لَهُ حُكْمٌ يَرُدُّ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ يَنْتَقِلُ بِهِ الْوَلَاءُ فَلَا، قَالَ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي هَذَا سِوَى مَا ذَكَرْت أَرَأَيْت لَوْ قَالَ: إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَقَبِلَ الْعِتْقَ كَانَ لَهُ الْوَلَاءُ قُلْت إذًا يَلْزَمُهُ فِيهِ الْعِلَّةُ الَّتِي لَا نَرْضَى أَنْ نَقُولَهُ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت يُقَالُ لَهُ هَلْ يَكُونُ الْعِتْقُ إلَّا لِمَالِكٍ؟ قَالَ: يَقُولُ لَا قُلْنَا فَمَتَى مَلَكَ؟ قَالَ: حِينَ قَبِلَ قُلْت أَفَرَأَيْت حِينَ قَبِلَ أَقَبِلَ حُرًّا، أَوْ مَمْلُوكًا؟ قَالَ: فَأَقُولُ بَلْ قَبِلَ حُرًّا قُلْنَا أَفَيُعْتَقُ حُرًّا أَوْ يَمْلِكُهُ قَالَ: فَأَقُولُ بَلْ حِينَ فَعَلَ عَلِمْنَا أَنَّهُ كَانَ مَالِكًا حِين وَهَبَهُ لَهُ قُلْت أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ: لَك قَدْ قَبِلْت وَأَبْطَلْت عِتْقَك أَيَكُونُ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ مَمْلُوكًا لَهُ؟ قَالَ وَكَيْفَ يَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ؟ قُلْت تَجْعَلُهُ بِإِعْتَاقِهِ إيَّاهُ عَنْهُ مَمْلُوكًا لَهُ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَإِذَا مَلَّكْتنِي عَبْدَك، ثُمَّ أَعْتَقْته أَنْتَ، جَازَ تَمْلِيكُك إيَّايَ وَبَطَلَ عَنْهُ عِتْقُك إذَا لَمْ أُحْدِثْ لَهُ عِتْقًا، وَلَمْ آمُرَك تُحْدِثُهُ لِي قَالَ: هَذَا يَلْزَمُ مَنْ قَالَ هَذَا، وَهَذَا خَطَأٌ بَيِّنٌ مَا يَمْلِكُهُ إيَّاهُ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الرِّقِّ وَمَا أَخْرَجَهُ مِنْ الرِّقِّ غَيْرُهُ فَالْوَلَاءُ لَهُ كَمَا قُلْت، وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُك مِنْ أَصْحَابِنَا أَفَتُوَضِّحُهُ لِي بِشَيْءٍ؟ قُلْت نَعَمْ أَرَأَيْت لَوْ أَعْتَقْت عَبْدًا لِي ثُمَّ قُلْت بَعْدَ عِتْقِهِ قَدْ جَعَلْت أَجْرَهُ وَوَلَاءَهُ الْآنَ لَك؟ قَالَ: فَلَا يَكُونُ لِي أَجْرُهُ، وَلَا، وَلَاؤُهُ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْأَجْرُ وَالْوَلَاءُ يَوْمَ أَعْتَقْت فَلَمَّا أَعْتَقْت عَنْ نَفْسِك لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى أَجْرِك كَمَا لَا يَنْتَقِلُ أَجْرُ عَمَلِك غَيْرِ هَذَا إلَيَّ.
(قَالَ الشَّافِعِيُّ): وَقُلْت لَهُ الْوَلَاءُ لَا يَمْلِكُهُ إلَّا مَنْ أَعْتَقَ، وَلَا يَكُونُ لِمَنْ أَعْتَقَ إخْرَاجُهُ مِنْ مِلْكِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ غَيْرُ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ الَّتِي يُحَوِّلُهَا النَّاسُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَى أَمْوَالِ مَنْ شَاءُوا قَالَ نَعَمْ قُلْت فَهَذِهِ الْحُجَّةُ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute