للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

غيري وقد أصبحت بالفلاة أموت فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول ما كذبت ولا كذبت. قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟!

قال: راقبي الطريق فبينا هي كذلك إذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم (١) فأقبلوا حتى وقفوا عليها قالوا: مالك قالت: رجل من المسلمين تكفنونه وتؤجرون فيه قالوا: ومن هو قالت: أبو ذر. ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه.

فقال: أبشروا أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله ما قال. سمعته يقول: "ما من امرئين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسبا وصبرا فيريان النار أبدًا".

ثم قال: وقد أصبحت اليوم حيث ترون ولو أن ثوبًا من ثيابي يسعني لم أكفن إلَّا فيه. أنشدكم الله: أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرًا أو عريفًا أو بريدًا.

فكل القوم كان نال من ذلك شيئًا إلَّا فتى من الأنصار قال أنا صاحبك ثوبان في عيبتي (٢) من غزل أمي وأحد ثوبي هذين اللذين علي.

قال: أنت صاحبي فكفني (٣).

ثم قال ابن سعد: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا يحيى بن سليم، عن ابن خثيم، عن مجاهد، عن إبراهيم بن الأشتر، عن أبيه أنه لما حضر أبا ذر الموت بكت امرأته فذكره وزاد فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه منهم: حجر بن الأدبر ومالك بن الأشتر.

ابن إسحاق: حدثنا بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن مسعود قال: لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة وأصابه بها قدره لم يكن معه إلَّا امرأته وغلامه فأوصاهما: أن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم قولوا: هذا أبو ذر فأعينونا عليه.

فوضعاه وأقبل ابن مسعود في رهط من العراق عمارًا فلم


(١) تخب: تسرع. والرخم، جمع رخمة. وهو نوع من الطيور، معروف، واحدته رخمة. وهو موصوف بالغدر والموق. وقيل بالقذر. وهو أبقع على شكل النسر خلقة إلا زنة مبقع بسواد وبياض يقال الأنوق.
(٢) العيبة: وعاء من أدم، يكون فيها المتاع والثياب والجمع عياب وعيب.
(٣) أخرجه ابن سعد "٤/ ٢٣٢"، وأحمد "٥/ ١٦٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>