للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

معاوية. فعسكر حُجْر في ثلاثة آلاف بالسلاح، وخرج عن الكوفة، ثم بدا له وقعد، فخاف زياد من ثورته ثانيًا، فبعث به في جماعة إلى معاوية.

قال ابن سعد: كان حُجْر جاهليًّا إسلاميًّا، شهد القادسية، وهو الذي افتتح مرج عذراء، وكان عطاؤه في ألفين وخمس مائة. ولما قدم زياد واليًا دعا به، فقال: تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حب عليّ، وإنه قد جاء غير ذلك، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة، فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك، وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي، فاكفني نفسك، فإني أعرف عجلتك، فأنشدك الله يا أبا عبد الرحمن في نفسك، وإياك وهذه السفلة أن يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت عليَّ، أو استخففت بحقك، لم أخصك بهذا. فقال: قد فهمت، وانصرف.

فأتته الشيعة، فقالوا: ما قال لك؟ فأخبرهم. قالوا: ما نصح، فأقام وفيه بعض الاعتراض، والشيعة تختلف إليه، ويقولون: إنك شيخنا وأحقّ من أنكر، وإذا أتى المسجد مشوا معه. فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث -وزياد بالبصرة: ما هذه الجماعة؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه؟ إليك وراءك أوسع لك، فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت له حاجة بالكوفة فعجِّل. فبادر، ونفذ إلى حُجْر عدي بن حاتم، وجرير بن عبد الله، وخالد بن عرفطة، ليعذروا إليه، وأن يكفَّ لسانه، فلم يجبهم، وجعل يقول: يا غلام! أعلف البكر. فقال عدي: أمجنون أنت؟ أكلمك بما أكلمك، وأنت تقول هذا؟! وقال لأصحابه: ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى. ونهضوا فأخبروا زيادًا، [فأخبروه ببعض، وخزَّنوا بعضًا]، وحسَّنوا أمره، وسألوا زيادًا الرفق به، فقال: لست إذًا لأبي سفيان، فأرسل إليه الشرط والبخارية، فقاتلهم بمن معه، ثم انفضّوا عنه، وأُتِيَ به إلى زياد وبأصحابه، فقال: ويلك! ما لك؟ قال: إني على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين، فقال: اكتبوا شهادتكم على حُجْر وأصحابه، ثم أوفدهم على معاوية، وبعث بِحُجْر وأصحابه إليه، فبلغ عائشة الخبر، فبعثت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم. فقال معاوية: لا أحب أن أراهم، هاتوا كتاب زياد، فقرئ عليه، وجاء الشهود. فقال معاوية: اقتلوهم عند عذراء. فقال حُجْر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء (١). قال: أما -والله- إني لأوّل مسلم نَبَّحَ كلابها في سبيل الله، ثم أحضروا مصفودين (٢)، ودفع


(١) عذراء: قرية من قرى غوطة دمشق، تقع في الشمال الشرقي منها.
(٢) مصفودان: أي مكبلان ومقيدان.

<<  <  ج: ص:  >  >>