للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

سمع رسول الله يقول: "خير التابعين رجل يقال له أويس، وكان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه، إلَّا موضع الدرهم في سرته، لا يدع باليمن غير أمّ له، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر لكم". قال عمر، فقدم علينا رجل، فقلت له: من أين أنت؟ قال: من اليمن، قلت: ما اسمك؟ قال: أويس، قلت: فمن تركت باليمن؟ قال: أمًّا لي، قلت: أكان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قلت: فاستغفر لي، قال: أويستغفر مثلي لمثلك يا أمير المؤمنين؟ قال: فاستغفر لي، وقلت له: أنت أخي لا تفارقني، قال: فانملس مني (١)، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة، قال: فجعل رجل كان يسخر بأويس بالكوفة، ويحقره، يقول: ما هذا منَّا ولا نعرفه، قال عمر: بلى إنه رجل كذا وكذا، فقال: كأنه يضع شأنه، فينا رجل يا أمير المؤمنين يقال له أويس، فقال عمر: أدرك فلا أراك تدركه، قال: فأقبل ذلك الرجل حتى دخل على أويس قبل أن يأتي أهله، فقال له أويس: ما هذه عادتك، فما بدا لك؟ قال: سمعت عمر يقول فيك: كذا وكذا، فاستغفر لي، قال: لا أفعل حتى تجعل لي عليك أن لا تسخر بي فيما بعد، وأن لا تذكر ما سمعته من عمر لأحدٍ، قال: نعم، فاستغفر له، قال أسير، فما لبثنا أن فشا أمره في الكوفة، قال: فدخلت عليه، فقلت: يا أخي، ألَا أراك العجب ونحن لا نشعر؟ فقال: ما كان في هذا ما أتبلّغ به في الناس، وما يجزى كل عبد إلَّا بعمله، قال: وانملس مني فذهب.

وبالإسناد إلى أسير بن جابر قال: كان بالكوفة رجل يتكلّم بكلام لا أسمع أحد يتكلم به، ففقدته، فسألت عنه، فقالوا: ذاك أويس، فاستدللت عليه وأتيته، فقلت: ما حبسك عنا؟ قال: العُرْيُ، قال: وكان أصحابه يسخرون به ويؤذونه، قلت: هذا برد فخذه، قال: لا تفعل، فإنهم إذًا يؤذونني، فلم أزل به حتى لبسه، فخرج عليهم، فقالوا: من ترون خدع عن هذا البرد؟ قال: فجاء فوضعه، فأتيت فقلت: ما تريدون من هذا الرجل؟ فقد آذيتموه، الرجل يَعْرَى مرة، ويكتسي أخرى، وآخذتهم بلساني، فقُضِيَ أنَّ أهل الكوفة وفدوا على عمر، فوفد رجل ممن كان يسخر به، فقال عمر: ما ههنا رجل من القرنين، فقام ذلك الرجل، فقال عمر: إن رسول الله قال: "إن رجل يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض، فدعا الله فأذهبه عنه، إلَّا موضع لدرهم، فمن لقيه منكم، فمروه فليستغفر لكم" قال عمر: فقدم علينا ههنا، فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس، قلت: من تركت باليمن؟ قال: أمًّا لي، قلت: هل كان بك بياض، فدعوت الله، فأذهبه عنك؟ قال: نعم، قلت: استغفر لي، قال: يا أمير المؤمنين! يستغفر مثلي لمثلك؟!


(١) انملس: أفلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>