إلي بسرق من حرير، وكنت عنده في أحسن منزلة، فإني ليلة أتعشى معه، إذا أنا برسول الحجاج بكتاب فيه: إذا نظرت في كتابي هذا، فإن صاحب كتابك عامر الشعبي، فإن فاتك، قطعت يدك على رجلك، وعزلتك. قال: فالتفت إلي، وقال: ما عرفتك قبل الساعة، فاذهب حيث شئت من الأرض، فوالله لأحلفن له بكل يمين فقلت: أيها الأمير، إن مثلي لا يخفي. فقال: أنت أعلم. قال: فبعثني إليه، وقال: إذا وصلتم إلى خضراء واسط فقيدوه، ثم أدخلوه على الحجاج.
فلما دنوت من واسط، استقبلني ابن أبي مسلم، فقال: يا أبا عمرو، إني لأضن بك عن القتل، إذا دخلت على الأمير، فقل كذا، وقل كذا. فلما أدخلت عليه، ورآني، قال: لا مرحبًا ولا أهلًا جئتني ولست في الشرف من قومك ولا عريفًا، ففعلت وفعلت، ثم خرجت علي وأنا ساكت، فقال: تكلم. فقلت: أصلح الله الأمير، كل ما قلته حق ولكنا قد اكتحلنا بعدك السهر، وتحلسنا الخوف ولم نكن مع ذلك بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء، فهذا أوان حقنت لي دمي، واستقبلت بي التوبة. قال: قد فعلت ذلك.
وقال الأصمعي: لما أدخل الشعبي على الحجاج، قال: هيه يا شعبي! فقال: أحزن بنا المنزل، واستحلسنا الخوف، فلم نكن فيما فعلنا بررة أتقياء، ولا فجرة أقوياء فقال: لله درك.
قال ابن سعد: قال أصحابنا: كان الشعبي فيمن خرج مع القراء على الحجاج، ثم اختفى زمانًا وكان يكتب إلى يزيد بن أبي مسلم أن يكلم فيه الحجاج.
قلت: خرج القراء وهم أهل القرآن والصلاح بالعراق على الحجاج؛ لظلمه وتأخيره والصلاة والجمع في الحضر، وكان ذلك مذهبًا واهيًا لبني أمية، كما أخبر النبي ﷺ"يكون عليكم أمراء يميتون الصلاة". فخرج على الحجاج عبد الرحمن بن الأشعث بن قيس الكندي، وكان شريفًا مطاعًا وجدته أخت الصديقن فالتف على مائة ألف أو يزيدون، وضاقت على الحجاج الدنيا، وكاد أن يزول ملكه، وهزموه مرات، وعاين التلف، وهو ثابت مقدام، إلى أن انتصر وتمزق جمع ابن الأشعث، وقتل خلق كثير من الفريقين، فكان من ظفر به الحجاج منهم قتله، إلَّا من باء منهم بالكفر على نفسه، فيدعه.
سعد بن عامر، عن حميد بن الأسود، عن عيسى الحناط، قال: قال الشعبي: إنما كان يطلب هذا العلم من اجتمعت فيه خصلتان: العقل والنسك، فإن كان عاقلًا، ولم يكن ناسكًا، قال هذا أمر لا ينالهإلَّا النساك، فلن أطلبه. وإن كان ناسكًا، ولم يكن عاقلًا، قال: