فوقف عليهما متبسما. ثم قال لأسعد: يا أبا أمامة، والله لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت مني هذا، أتغشانا في دارينا بما نكره! وقد قال أسعد لمصعب: أي مصعب جاءك والله سيد من وراءه، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان. فقال: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته، وإن كرهت عزلنا عنك ما تكره. قال: أنصفت. فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، فعرفنا في وجهه، والله، الإسلام قبل أن يتكلم به، لإشراقه وتسهله. ثم فعل كما عمل أسيد، وأسلم، وأخذ حربته، وأقبل عامدا إلى نادي قومه، ومعه أسيد، فلما رآه قومه، قالوا: نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، قال: يا بني عبد الأشهل كيف تعرفون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا وأيمننا نقيبة. قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا. فوالله ما أمسى في دار بني عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة، ورجع مصعب وأسعد إلى منزلهما، ولم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء ومسلمون، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد، وخطمة، ووائل، وواقف، وتلك أوس الله وهم من الأوس بن حارثة، وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت، وهو صيفي، وكان شاعرا لهم وقائدا، يستمعون منه ويطيعونه فوقف بهم عن الإسلام، فلم يزل على ذلك حتى مضت أحد والخندق.