وأما تعليل بعضهم بأنها صحيفة، وروايتها وجادة بلا سماع، فمن جهة أن الصحف يدخل في روايتها التصحيف لا سيما في ذلك العصر، إذ لا شكل بعد في الصحف ولا نقط، بخلاف الأخذ من أفواه الرجال.
قال يحيى بن معين: هو ثقة، بُلي بكتاب أبيه عن جده.
وممن تردد وتحير في عمرو أبو حاتم بن حبان، فقال في كتاب "الضعفاء" إذا روى عن طاوس، وابن المسيب، وغيرهما من الثقات غير أبيه، فهو ثقة يجوز الاحتجاج به، وإذا روى عن أبيه عن جده ففيه مناكير كثيرة، فلا يجوز عندي الاحتجج بذلك.
قال: وإذا روى عن أبيه عن جده، فإن شعيبا لم يلق عبد الله، فيكون الخبر منقطعا، وإذا أراد به جده الأدنى فهو محمد ولا صحبة له فيكون مرسلا.
قلت: قد أجبنا عن هذا، وأعلمنا بأن شعيبا صحب جده، وحمل عنه.
وأخبرنا ابن أبي عمر في كتابه عن الصيدلاني، أخبرتنا فاطمة الجوزدانية، أنبأنا ابن ريذة أنبأنا الطبراني حدثنا علي بن عبد العزيز، والكجي، قالا: حدثنا حجاج قال الطبراني، وحدثنا جعفر بن محمد بن حرب، حدثنا سليمان بن حرب، قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني، عن شعيب بن عبد الله، بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: ما رئي النبي ﷺ يأكل متكئا ولا يطأ عقبه رجلان. فهذا شعيب يخبر أنه سمع من عبد الله.
ثم إن أبا حاتم بن حبان تحرج من تليين عمرو بن شعيب، وأداه اجتهاده إلى توثيقه، فقال: والصواب في عمرو بن شعيب أن يحول من هنا إلى تاريخ الثقات؛ لأن عدالته قد تقدمت.
فأما المناكير في حديثه إذا كانت في روايته، عن أبيه، عن جده فحكمه حكم الثقات إذا رووا المقاطيع والمراسيل بأن يترك من حديثهم المرسل والمقطوع، ويحتج بالخبر الصحيح.
فهذا يوضح لك أن الآخر من الأمرين عند ابن حبان: أن عمرا ثقة في نفسه، وأن روايته، عن أبيه عن جده إما منقطعة أو مرسلة، ولا ريب أن بعضها، من قبيل المسند المتصل، وبعضها يجوز أن تكون روايته وجادة أو سماعا، فهذا محل نظر واحتمال. ولسنا ممن نعد نسخة عمرو، عن أبيه، عن جده من أقسام الصحيح الذي لا نزاع فيه من أجل الوجادة، ومن أجل أن فيها مناكير فينبغي أن يتأمل حديثه، ويتحايد ما جاء منه منكرا ويروى ما عدا ذلك في السنن والأحكام محسنين لإسناده، فقد احتج به أئمة كبار، ووثقوه في الجملة، وتوقف فيه آخرون قليلا وما علمت أن أحدًا تركه.