التركماني الذهبي بصر لا نظير له، وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها وكان محط رحال تغيبت، ومنتهى رغبات من تغيبت. تعمل المطي إلى جواره، وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تنبل نحو داره. وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنا أفضل الجزاء، وجعل حظه من غرفات الجنات موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم، يذعن له الكبير والصغير من الكتب، والعالي والنازل من الأجزاء. وسمع منه الجمع الكثير، وما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس، إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليال.
وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد، وتناديه السؤالات من كل ناد، وهو بين أكنافها كنف لأهليها، وشرف تفتخر وتزهى به الدنيا وما فيها، طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارا، وقهقهة غدرانها، وتارة تلبس ثوب الوقار والفخار، بما اشتملت عليه من إمامها المعدود في سكانها.
وقال الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي في "البداية والنهاية""١٤/ ٢٤٣":
الشيخ الحافظ الكبير مؤرخ الإسلام، وشيخ المحدثين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه ﵀.
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي في "الرد الوافر""ص ٦٥" وما بعدها:
الشيخ الإمام الحافظ الهمام مفيد الشام، ومؤرخ الإسلام، ناقد المحدثين، وإمام المعدلين والمجرحين، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني الفارقي الدمشقي ابن الذهبي الشافعي … كان آية في نقد الرجال، عمدة في الجرح والتعديل، عالما بالتفريع والتأصيل، إماما في القراءات، فقيها في النظريات، له دربة بمذاهب الأئمة وأرباب المقالات، قائما بين الخلف بنشر السنة ومذهب السلف وله المصنفات المفيدة، والمختصرات الحسنة، والمصنفات السديدة، وقال شيخه وتلميذه علم الدين البرزالي المتوفى سنة "٧٣٩ هـ":