وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت: لما خرج رسول الله ﷺ وخرج معه أبو بكر، احتمل أبو بكر ماله كله معه، خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق به معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة -وقد ذهب بصره- فقال: والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه. قالت: قلت: كلا يا أبه، قد ترك لنا خيرا كثيرا. قالت: فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة من البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك على هذا المال فوضع يده عليه فقال: لا بأس إذا كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا بلاغ لكم، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئا، ولكني أردت أن أسكن الشيخ.
وحدثني الزهري، أن عبد الرحمن بن مالك بن جعشم حدثه، عن أبيه، عن عمه سراقة بن مالك بن جعشم، قال: لما خرج رسول الله ﷺ من مكة مهاجرا، جعلت قريش فيه مائة ناقة لمن رده، قال: فبينا أنا جالس، أقبل رجل منا فقال: والله لقد رأيت ركبا ثلاثة مروا علي آنفا، إني لأراهم محمدا وأصحابه، فأومأت إليه، يعني أن اسكت، ثم قلت: إنما هم بنو فلان يبتغون ضالة لهم، قال: لعله، فمكثت قليلا، ثم قمت فدخلت بيتي، فذكر نحو ما تقدم.
قال: وحدثت عن أسماء بنت أبي بكر قالت: فمكثنا ثلاث ليال ما ندري أين وجه رسول الله ﷺ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب، وإن الناس ليتبعونه، ويسمعون صوته، حتى خرج من أعلى مكة، وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه … رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروحا … فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهن بني كعب مكان فتاتهم … ومقعدها للمؤمنين بمرصد
قالت: فعرفنا حيث وجه رسول الله ﷺ وأن وجهه إلى المدينة.
قلت: قد سقت خبر أم معبد بطوله في صفته ﷺ، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: حدثنا عبد الرحمن ابن الأصبهاني، قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بكر الصديق قال: خرجت مع النبي ﷺ من مكة، فانتهينا إلى حي من أحياء العرب، فنظر رسول الله ﷺ إلى بيت متنحيا، فقصد إليه، فلما نزلنا لم يكن فيه إلا امرأة، فقالت: يا عبدي الله