فأمر المنصور من حضره من بني هاشم يكتبون إلى أبي مسلم، يعظمون شأنه، وأن يتم على الطاعة ويحسنون له القدوم على المنصور.
ثم قال المنصور للرسول أبي حميد المروروذي: كلم أبا مسلم بألين ما تقدر عليه، ومنه وعرفه أني مضمر له كل خير، فإن أيست منه فقل له قال والله لو خضت البحر لخضته وراءك ولو اقتحمت النار لا قتحمتها حتى أقتلك.
فقدم على أبي مسلم بحلوان. قال: فاستشار أبو مسلم خواصه، فقالوا: احذره.
فلما طلب الرسول الجواب، قال: ارجع إلى صاحبك، فلست آتيه، وقد عزمت على خلافه فقال: لا تفعل.
فلما آيسه من المجيء كلمه بما أمره به المنصور فوجم لها طويلا ثم قال قم وكسره ذلك القول وأرعبه.
وكان المنصور قد كتب إلى أبي داود خليفة أبي مسلم على خراسان، فاستماله، وقال إمرة خراسان لك فكتب أبو داود إلى أبي مسلم يلومه ويقول: إنا لم نخرج لمعصية خلفاء الله، وأهل بيت النبوة فلا تخالفن إمامك.
فوافاه كتابه وهو على تلك الحال فزاده همًا ورعبًا ثم إنه أرسل من يثق به من أمرأته إلى المنصور فلما قدم تلقاه بنو هاشم بكل ما يحب وقال له المنصور اصرفه، عن وجهه ولك إمرة بلاده فرجع وقال لم أر مكروها ورأيتهم معظمين لحقك فارجع، واعتذر.
فأجمع رأيه على الرجوع، فقال رسوله أبو إسحاق:
ما للرجال مع القضاء محالة … ذهب القضاء بحيلة الأقوام
خار الله لك، احفظ عني واحدة، إذا دخلت على المنصور فاقتله، ثم بايع من شئت فإن الناس لا يخالفونك.
ثم إن المنصور سير أمراء لتلقي أبي مسلم، ويظهرون أنه بعثهم ليطمئنه، ويذكرون حسن نية المنصور له فلما سمع ذلك انخدع المغرور وفرح.
فلما وصل إلى المدائن، أمر المنصور أكابر دولته فتلقوه، فلما دخل عليه، سلم عليه قائمًا فقال: انصرف يا أبا مسلم فاسترح وادخل الحمام ثم اغد. فانصرف وكان من نية المنصور أن يقتله تلك الليلة فمنعه وزيره أبو أيوب المورياني.
قال أبو أيوب: فدخلت بعد خروجه، فقال لي المنصور: أقدر على هذا، في مثل هذه