مسلمة وأبا عبس، والحارث ابن أخي سعد بن معاذ في خمسة رهط أتوه عشية، وهو في مجلسهم بالعوالي. فلما رآهم كعب أنكرهم وكاد يذعر منهم، فقال لهم: ما جاء بكم؟ قالوا: جاءت بنا إليك حجة. قال: فليدن إليَّ بعضكم فليحدثني بها. فدنا إليه بعضهم، فقال: جئناك لنبيعك أدراعا لنا لنستنفق أثمانها. فقال: والله لئن فعلتم ذلك لقد جهدتم، قد نزل بكم هذا الرجل. فواعدهم أن يأتوه عشاء حين يهدأ عنهم الناس. فجاءوا فناداه رجل منهم، فقام ليخرج، فقالت امرأته: ما طرقوك ساعتهم هذه لشيء تحب. فقال: بل إنهم قد حدثوني حديثهم. فاعتنقه أبو عبس، وضربه محمد بن مسلمة بالسيف، وطعنه بعضهم بالسيف في خاصرته، فلما قتلوه فرغت اليهود ومن كان معهم من المشركين. فغدوا على رسول الله ﷺ حين أصبحوا فقالوا: إنه طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا فقتل، فذكر لهم رسول الله ﷺ الذي كان يقول في أشعاره، ودعاهم رسول الله ﷺ إلى أن يكتب بينه وبينهم كتابا، فكتب بينهم صحيفة. وكانت تلك الصحيفة بعده عند علي. أخرجه أبو داود.
وذكر موسى بن عقبة وغيره أن عباد بن بشر كان معهم، فأصيب في وجهه بالسيف أو رجله.
وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ومشى رسول الله ﷺ إلى بقيع الغرقد، ثم وجههم وقال:"انطلقوا على اسم الله، اللهم أعنهم".
وذكر البكائي، عن ابن إسحاق هذه القصة بأطول مما هنا وأحسن عبارة، وفيه: فاجتمع في قتله محمد، وسلكان بن سلامة بن وقش، وهو أبو نائلة الأشهلي، وعباد بن بشر، وأبو عبس بن جبر الحارثي. فقدَّموا إلى ابن الأشرف سلكانَ، فجاءه فتحدث معه ساعة وتناشدا شعرا، ثم قال: ويحك يابن الأشرف، إني قد جئت لحاجة أريد ذكرها لك فاكتم عني. قال: أفعل. قال: كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء، عادتنا العرب ورمونا عن قوس واحدة، وقطعت عنا السبل حتى ضاع العيال وجهدنا. فقال: أنا ابن الأشرف! أما والله لقد أخبرتك يابن سلامة أن الأمر سيصير إلى ما أقول. فقال: إني أردت أن تبيعنا طعاما ونرهنك ونوثق لك، وتحسن في ذلك. فقال: أترهنوني أبناءكم؟ قال: لقد أردت أن تفضحنا، إن معي أصحابا لي على مثل رأيي، وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم، وتحسن في ذلك، ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. قال: فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره، وأمرهم أن يأخذوا السلاح ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه واجتمعوا، وساق القصة.