وقال موسى بن عقبة: ثم انكفأ المشركون إلى أثقالهم، لا يدري المسلمون ما يريدون. فقال النبي ﷺ:"إن رأيتموهم ركبوا وجعلوا الأثقال تتبع آثار الخيل، فهم يريدون أن يدنوا من البيوت والآطام التي فيها الذراري، وأقسم بالله لئن فعلوا لأواقعنهم في جوفها، وإن كانوا ركبوا الأثقال وجنبوا الخيل فهم يريدون الفرار". فلما أدبروا بعث رسول الله ﷺ سعد بن أبي وقاص في آثارهم. فلما رجع قال: رأيتهم سائرين على أثقالهم والخيل مجنوبة. قال: فطابت أنفس القوم، وانتشروا يبتغون قتلاهم. فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به، إلا حنظلة بن أبي عامر، وكان أبوه مع المشركين فترك لأجله. وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا فدفع صدره برجله ثم قال: ذنبان أصبتهما، قد تقدمتُ إليك في مصرعك هذا يا دبيس، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرحم برا بالوالد.
ووجدوا حمزة بن عبد المطلب قد بُقِرَ بطنه وحُمِلَت كبده، احتملها وحشي وهو الذي قتله، فذهب بكبده إلى هند بنت عتبة في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر. فدفن في نمرة كانت عليه، إذا رفعت إلى رأسه بدت قدماه، فغطوا قدمية بشيء من الشجر.
وقال الزهري: فقال النبي ﷺ: "زملوهم بدمائهم، فإنه ليس أحد يكلم في الله إلا وهو يأتي يوم القيامة وجرحه يدمي، لونه لون الدم وريحه ريح المسك".
وقال: إن المشركين لن يصيبوا منا مثلها. وقد كان أبو سفيان ناداهم حين ارتحل المشركون: إن موعدكم الموسم، موسم بدر. وهي سوق كانت تقوم ببدر كل عام، فقال رسول الله ﷺ:"قولوا له: نعم".
قال: ودخل النبي ﷺ المدينة، وإذا النَّوْح في الدور. قال:"ما هذا"؟. قالوا: نساء الأنصار يبكين قتلاهم. وأقبلت امرأة تحمل ابنها وزوجها على بعير، قد ربطتهما بحبل ثم ركبت بينهما، وحُمِلَ قتلى، فدفنوا في مقابر المدينة، فنهاهم عن ذلك وقال:"واروهم حيث أصيبوا".
وقال لما سمع البكاء:"لكن حمزة لا بواكي له". واستغفر له، فسمع ذلك سعد بن معاذ وابن رواحة وغيرهما، فجمعوا كل نائحة وباكية بالمدينة، فقالوا: والله لا تبكين قتلى الأنصار حتى تبكين عم رسول الله ﷺ، فلما سمع رسول الله بالبكاء، قال:"ما هذا"؟. قال: فأخبر، فاستغفر لهم وقال لهم خيرا، وقال:"ما هذا أردت وما أحب البكاء". ونهى عنه.
وقال يونس، عن ابن إسحاق: حدثني القاسم بن عبد الرحمن بن نافع الأنصاري، قال: انتهى أنس بن النضر إلى عمر، وطلحة، ورجال قد ألقوا بأيديهم فقال: ما يجلسكم؟ فقالوا: