كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك. فيقول: هاتوا نفقاتكم. فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويُقْفِل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، يطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول ﷺ فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طرفها? فيقول: كذا وكذا. ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة? فيقول: كذا وكذا. فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق، ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه.
قال أبي: أخبرني خادمه أنه عمل آخر سَفْرة سافرها دعوةً، فقدم إلى الناس خمسةً وعشرين خوانًا فالوذج، فبلغنا أنه قال للفضيل: لولاك وأصحابك ما اتجرت. وكان ينفق على الفقراء، في كل سنة مائة ألف درهم.
علي بن خَشْرَم: حدثني سلمة بن سليمان، قال: جاء رجل إلى ابن المبارك، فسأله أن يقضي دينًا عليه، فكتب له. إلى وكيل له فلما ورد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدين الذي سألته قضاءه? قال: سبع مائة درهم. وإذا عبد الله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم، فراجعه الوكيل، وقال: إن الغلات قد فنيت. فكتب إليه عبد الله: إن كانت الغلات قد فنيت، فإن العمر أيضًا قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي.
قال محمد بن المنذر: حدثني يعقوب بن إسحاق، حدثني محمد بن عيسى، قال: كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طَرَسُوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شاب يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبد الله مرةً، فلم يره، فخرج في النفير مستعجلا، فلما رجع سأل عن الشاب، فقال: محبوس على عشرة آلاف درهم. فاستدل على الغريم، ووزن له عشرة آلاف، وحلفه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأخرج الرجل، وسرى ابن المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة، فقال لي: يا فتى أين كنت؟! لم أرك? قال: يا أبا عبد الرحمن! كنت محبوسًا بدين. قال: وكيف خلصت? قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أدر. قال: فاحمد الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبد الله.
أبو العباس السراج: سمعت إبراهيم بن بشار، حدثني علي بن الفضيل، سمعت أبي