أخرجك من الحل، فَدَسَّك في الحرم إلا ليضعف عليك الذنب. أما تستحي تذكر الدينار والدرهم وأنت حول البيت، إنما كان يأتيه التائب والمستجير.
وعن الفضيل، قال: المؤمن يغبط، ولا يحسد، الغبطة من الإيمان، والحسد من النفاق.
قلت: هذا يفسر لك قوله -عليه الصلاة والتسليم:"لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا ينفقه في الحق، ورجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل، وأطراف النهار"(١). فالحسد هنا، معناه: الغبطة، أن تحسد أخاك على ما آتاه الله، لا أنك تحسده بمعنى: أنك تود زوال ذلك عنه، فهذا بغي وخبث.
وعن الفضيل، قال: من أخلاق الأنبياء: الحلم، والأناة، وقيام الليل.
قال أبو عبد الرحمن السلمي: أخبرنا أبو بكر محمد بن جعفر، أخبرنا الحسن بن عبد الله العسكري، حدثنا ابن أخي أبي زُرْعة، حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه، حدثنا أبو عمار، عن الفضل بن موسى، قال: كان الفضيل شاطرًا يقطع الطريق، فذكر الحكاية، وقد مضت.
وقال إبراهيم بن الليث: حدثنا المُحَدِّث علي بن خَشْرَم، قال: أخبرني رجل من جيران الفضيل من أبيورد، قال: كان الفضيل يقطع الطريق وحده، فبينا هو ذات ليلة وقد انتهت إليه القافلة، فقال بعضهم: اعدلوا بنا إلى هذه القرية، فإن الفضيل يقطع الطريق. فسمع ذلك، فأرعد، فقال: يا قوم جوزوا، والله لأجتهدن أن لا أعصي الله.
وروي نحوها من وجه آخر، لكنه في الإسناد ابن جَهْضَم، وهو هالك.
وبكل حال: فالشرك أعظم من قطع الطريق، وقد تاب من الشرك خلق، صاروا أفضل الأمة، فنواصي العباد بيد الله -تعالى- وهو يضل من يشاء، ويهدي إليه من أناب.
قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: قال لي المأمون: قال لي الرشيد: ما رأت عيناي مثل فضيل بن عياض، دخلت عليه. فقال لي: فرغ قلبك للحزن وللخوف حتى يسكناه، فيقطعاك عن المعاصي، ويباعداك من النار.
(١) صحيح: أخرجه الحميدي "٦١٧"، وابن أبي شيبة "١٠/ ٥٥٧"، والبخاري "٧٥٢٩"، وفي "خلق أفعال العباد" "ص ١٢٤"، ومسلم "٨١٥"، والنسائي في "فضائل القرآن" "٩٧"، وابن ماجه "٤٢٠٩"، والبيهقي في "السنن" "٤/ ١٨٨"، والبغوي "٣٥٣٧" من طرق عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه مرفوعا بلفظ: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل أتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار".