قال الخطيب: كان جعفر عند الرشيد بحالة لم يشاركه فيها أحد، وجوده أشهر من أن يذكر، وكان من ذوي اللَّسَن والبلاغة. يقال: إنه وقع ليلة بحضرة الرشيد زيادة على ألف توقيع، ونظر في جميعها، فلم يخرج شيئًا منها عن موجب الفقه، كان أبوه قد ضمه إلى القاضي أبي يوسف حتى فقه.
وعن ثمامة بن أشرس، قال: ما رأيت أبلغ من جعفر البرمكي، والمأمون.
قيل: اعتذر إلى جعفر رجل، فقال: قد أغناك الله بالعذر منا عن الاعتذار إلينا، وأغنانا بالمودة لك عن سوء الظن بك.
قال جَحْظَةُ: حدثنا ميمون بن مهران، حدثني الرشيدي، حدثني مُهَذَّب حاجب العباس بن محمد -يعني: أخا المنصور: أن العباس نالته إضاقة، فأخرج سفطًا فيه جوهر بألف ألف، فحمله إلى جعفر، وقال أريد عليه خمسمائة ألف. قال: نعم، وأخذ السفط. فلما رجع العباس إلى داره، وجد السفط قد سبقه، ومعه ألف ألف، ودخل جعفر على الرشيد، فخاطبه في العباس، فأمر له بثلاثمائة ألف دينار.
وعن إبراهيم الموصلي، قال: حج الرشيد وجعفر وأنا معهم، فقال لي جعفر: انظر لي جارية لا مثل لها في الغناء والظرف. قال: فأرشدت إلى جارية لم أر مثلها، وغنت، فأجادت، فقال مولاها: لا أبيعها بأقل من أربعين ألف دينار. قلت: قد أخذتها. فأعجب بها جعفر فقالت الجارية: يا مولاي، في أي شيء أنت? قال: قد عرفت ما كنا فيه من النعمة، فأردت أن تصيري إلى هذا الملك، فتسعدي. قالت: لو ملكت منك ما ملكت مني، ما بعتك بالدنيا، فاذكر العهد -وقد كان حلف أن لا يأكل لها ثمنًا- فتغرغرت عيناه، وقال لجعفر: اشهدوا أنها حرة، وأني قد تزوجتها، وأمهرتها داري، فقال جعفر: انهض بنا. فدعوت الحمالين لنقل الذهب، فقال جعفر: والله لا صحبنا منه درهم، وقال لمولاها: أنفقه عليكما.
قيل: كان في خزائن جعفر دنانير، زنة الواحد مائة مثقال، كان يرمي بها إلى أصطحة الناس سكته.
وأصفر من ضرب دار الملوك … يلوح على وجهه جعفر
يزيد على مائة واحدا … متى يعطه معسر يوسر
وقيل: بل الشعر لأبي العتاهية، وكان على الدينار صورة جعفر.
قال صاحب "الأغاني": أخبرنا عبد الله بن الربيع، حدثني أحمد بن إسماعيل، عن