الفلاس، عن يحيى، قال: كنت أنا، وخالد بن الحارث، ومعاذ بن معاذ، وما تقدماني في شيء قط -يعني من العلم- كنت أذهب معهما إلى ابن عون، فيقعدان ويكتبان، وأجيء أنا، فأكتبها في البيت.
قال محمد بن يحيى بن سعيد: قال أبي: كنت أخرج من البيت، أطلب الحديث، فلا أرجع إلا بعد العتمة.
قلت: كان يحيى بن سعيد متعنتًا في نقد الرجال، فإذا رأيته قد وثق شيخًا، فأعتمد عليه، أما إذا لين أحدًا، فتأن في أمره حتى ترى قول غيره فيه، فقد لين مثل: إسرائيل وهمام، وجماعة. احتج بهم الشيخان، وله كتاب في الضعفاء لم أقف عليه، ينقل منه ابن حزم وغيره، ويقع كلامه في سؤالات علي، وأبي حفص الصيرفي، وابن معين له.
قال عبد الرحمن بن عمر رستة: سمعت علي بن عبد الله يقول كنا عند يحيى بن سعيد، فلما خرج من المسجد، خرجنا معه، فلما صار بباب داره وقف، ووقفنا معه، فانتهى إليه الروبي، فقال يحيى لما رآه: ادخلوا. فدخلنا، فقال للروبي: اقرأ. فلما أخذ في القراءة، نظرت إلى يحيى يتغير، حتى بلغ: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ [الدخان: ٤٠]، صعق يحيى، وغشي عليه، وارتفع صوته، وكان باب قريب منه، فانقلب، فأصاب الباب فقار ظهره، وسال الدم، فصرخ النساء، وخرجنا، فوقفنا بالباب، حتى أفاق بعد كذا وكذا، ثم دخلنا عليه، فإذا هو نائم على فراشه وهو يقول: ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ﴾، فما زالت فيه تلك القرحة حتى مات ﵀.
وروى أحمد بن عبد الرحمن العنبري، عن زهير البابي، قال: رأيت يحيى القطان في النوم، عليه قميص بين كتفيه، مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب من الله العزيز العليم، براءة ليحيى بن سعيد القطان من النار.
وقال أبو بكر بن خلاد الباهلي: عن يحيى القطان، قال: كنت إذا أخطأت، قال لي سفيان: أخطأت يا يحيى، فحدث يومًا عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: "الذي يشرب في آنية الذهب والفضة، إنما يجرجر في بطنه نار جهنم". فقلت: أخطأت يا أبا عبد الله. قال: وكيف هو? قلت: حدثنا عبيد الله عن نافع، عن زيد بن عبد الله، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن أم سلمة، عن النبي ﷺ(١). قال:
(١) صحيح: أخرجه مالك "٢/ ٩٢٤ - ٩٢٥"، ومن طريقه أخرجه البخاري "٥٦٣٤"، ومسلم "٢٠٦٥"، والطبراني "٢٣/ ٩٢٧"، والبيهقي "١/ ٢٧"، والبغوي "٣٠٣٠"، عن نافع، به.