للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال أيضا في "السير" "٦/ ٥٧٠":

قال عون بن عمارة: سمعت هشاما الدستوائي يقول: والله ما أستطيع أن أقول إني ذهبت يوما قط أطلب الحديث، أريد به وجه الله ﷿.

فعقب الذهبي الناقد "٦/ ٥٧٠ - ٥٧١" بقوله:

قلت: والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله، قنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله، وحصلوه ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق، كما قال مجاهد، وغيره: طلبنا هذا العلم وما لنا فيه كبير نية، ثم رزق الله النية بعد. وبعضهم يقول: طلبنا هذا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله، فهذا أيضا حسن، ثم نشروه بنية صالحة.

وقوم طلبوه بنية لأجل الدنيا، وليثنى عليهم، فلهم ما نووا. قال : "من غزا ينوي عقالا، فله ما نوى". وترى هذا الضرب لم يستضيئوا بنور العلم، ولا لهم وقع في النفوس، ولا لعلمهم كبير نتيجة من العلم، وإنما العالم من يخشى الله تعالى.

وقوم نالوا العلم، وولوا به المناصب فظلموا، وتركوا القيد بالعلم، وركبوا الكبائر والفواحش، فتبا لهم، فما هؤلاء بعلماء!

وبعضهم لم يتق الله في علمه، بل ركب الحيل، وأفتى بالرخص، وروى الشاذ من الأخبار.

وبعضهم اجترأ على الله ووضع الأحاديث، فهتكه الله وذهب علمه، وصار زاده إلى النار وهؤلاء الأقسام كلهم رووا من العلم شيئا كبيرا، وتضلعوا منه في الجملة فخلف من بعدهم خلف بان نقصهم في العلم والعمل، وتلاهم قوم انتموا إلى العلم في الظاهر، ولم يتقنوا منه سوى نزر يسير، أوهموا به أنهم علماء فضلاء، ولم يدر في أذهانهم قط أنهم يتقربون به إلى الله؛ لأنهم ما رأوا شيخا يقتدى به في العلم فصاروا همجا رعاعا، غاية المدرس منهم أن يحصل كتبا مثمنة، يخزنها، وينظر فيها يوما ما، فيصحف ما يورده، ولا يقرره. فنسأل الله النجاة والعفو، كما قال بعضهم: ما أنا عالم، ولا رأيت عالما.

<<  <  ج: ص:  >  >>