حتى أقدم شيخًا من أذنة فأدخل مقيدًا، وهو شيخ جميل حسن الشيبة فرأيت الواثق قد استحيا منه ورق له، فما زال يدنيه حتى قرب منه، وجلس فقال: ناظر ابن أبي دواد قال: يا أمير المؤمنين إنه يضعف عن المناظرة. فغضب، وقال: أبو عبد الله يضعف عن مناظرتك أنت؟! قال: هون عليك، وائذن لي واحفظ علي وعليه. ثم قال: يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين فلا يكن الدين كاملًا حتى تقال؟ قال: نعم قال: فأخبرني عن رسول الله ﷺ حين بعثه الله، هل ستر شيئًا مما أمر به؟ قال: لا. قال: فدعا إلى مقالتك هذه؟ فسكت فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين واحدة قال الواثق: واحدة ثم قال: أخبرني عن الله تعالى حين قال: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم﴾ [المائدة: ٣] أكان الله هو الصادق في إكمال ديننا أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال بمقالتك؟ فسكت أحمد فقال الشيخ: اثنتان يا أمير المؤمنين. قال: نعم فقال: أخبرني عن مقالتك هذه أعلمها رسول الله أم جهلها؟ قال: علمها قال: فدعا إليها؟ فسكت قال الشيخ: ثلاثة. ثم قال: فاتسع لرسول الله ﷺ أن يمسك عنها، ولم يطالب أمته بها؟ قال: نعم قال: واتسع ذلك لأبي بكر وعمر وعثمان، وعلي؟ قال: نعم فأعرض الشيخ عنه، وقال: يا أمير المؤمنين قد قدمت القول بأن أحمد يضعف عن المناظرة يا أمير المؤمنين إن لم يتسع لك من الإمساك هذه المقالة ما زعم هذا إنه اتسع للنبي ﷺ وأصحابه، فلا وسع الله عليك قال الواثق: نعم كذا هو اقطعوا قيد الشيخ فلما قطعوه، ضرب بيده فأخذه فقال الواثق: لم أخذته؟ قال: لأني نويت أن أوصي أن يجعل معي في كفني لأخاصم هذا به عند الله ثم بكى فبكى الواثق، وبكينا ثم سأله الواثق أن يحاله وأمر له بصلة فقال: لا حاجة لي بها. ثم قال المهتدي: فرجعت عن هذه المقالة، وأظن الواثق رجع عنها في يومئذ.
قال إبراهيم نفطويه: حدثنا حامد بن العباس، عن رجل عن المهتدي بالله: أن الواثق مات، وقد تاب عن القول بخلق القرآن. قال ابن أبي الدنيا: كان أبيض تعلوه صفرة حسن اللحية في عينه نكتة.
قلت: وكان وافر الأدب قيل: إن جارية غنته شعر العرجي:
أظلوم إن مصابكم رجلًا … رد السلام تحية ظلم
فمن الحاضرين من صوب نصب رجلًا، ومنهم من رفع فقالت: هكذا لقنني المازني.
فطلب المازني فلما مثل بين يديه قال: ممن الرجل؟ قال: من مازن. قال: أي الموازن،