وبكل حال فالجهال والضلال، قد تكلموا في خيار الصحابة، وفي الحديث الثابت:"لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليرزقهم ويعافيهم"(١).
وقد كنت وقفت على بعض كلام المغاربة في الإمام الشافعي ﵀ فكانت فائدتي من ذلك تضعيف حال من تعرض إلى الإمام، ولله الحمد.
ولا ريب أن الإمام لما سكن مصر، وخالف أقرانه من المالكية، ووهى بعض فروعهم بدلائل السنة، وخالف شيخه في مسائل، تألموا منه، ونالوا منه، وجرت بينهم وحشة، غفر الله للكل. وقد اعترف الإمام سحنون، وقال: لم يكن في الشافعي بدعة فصدق والله، فرحم الله الشافعي وأين مثل الشافعي والله في صدقه، وشرفه، ونبله، وسعة علمه، وفرط ذكائه، ونصره للحق، وكثرة مناقبة رحمه الله تعالى.
وقال في "السير""٨/ ٢٧٨ - (٢٧٩) ":
قال الحافظ أبو بكر الخطيب في مسألة الاحتجاج بالإمام الشافعي، فيما قرأت على أبي الفضل بن عساكر، عن عبد العزيز بن محمد، أخبرنا يوسف بن أيوب الزاهد، أخبرنا الخطيب قال: سألني بعض إخواننا بيان علة ترك البخاري الرواية عن الشافعي في "الجامع"؟ وذكر أن بعض من يذهب إلى رأي أبي حنيفة ضعف أحاديث الشافعي، واعترض باعتراض البخاري عن روايته، ولولا ما أخذ الله على العلماء فيما يعلمونه ليبيننه للناس، لكان أولى الأشياء الإعراض عن اعتراض الجهال، وتركهم يعمهون. وذكر لي من يشار إليه خلو كتاب مسلم وغيره من حديث الشافعي فأجبته بما فتح الله علي: ومثل الشافعي من حسد، وإلى ستر معالمه قصد ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر من كل حق مستوره، وكيف لا يغبط من حاز الكمال، بما جمع الله له من الخلال اللواتي لا ينكرها إلا ظاهر الجهل، أو ذاهب العقل. ثم أخذ الخطيب يعدد علوم الإمام ومناقبه، وتعظيم الأئمة له وقال:
أبى الله إلا رفعه وعلوه … وليس بما يعليه ذو العرش واضع
إلى أن قال: والبخاري هذب ما في "جامعه" غير أنه عدل عن كثير من الأصول، إيثارا للإيجاز.
(١) صحيح: أخرجه البخاري "٦٠٩٩"، ومسلم "٢٨٠٤"، وقد خرجته بإسهاب في الموضع المشار إليه فراجعه ثمت.