قال زكريا بن حرب: ابتدأ أخي بالصوم، وهو في الكتاب، فلما راهق حج مع أخيه الحسين بن حرب فأقاما بالكوفة للطلب، وبالبصرة وبغداد. ثم أقبل على العبادة لا يفتر. وأخذ في المواعظ والتذكير وحث على العبادة، وأقبلوا على مجلسه.
رغب الناس في سماع كتبه، ثم إن أمه ماتت سنة عشرين ومائتين، فحج، وعاود الغزو، وخرج إلى بلاد الترك وافتتح فتحًا عظيمًا غبط به فسعى به الأعداء إلى ابن طاهر فأحضره، ولم يأذن له في الجلوس، وقال: أتخرج وتجمع إلى نفسك هذا الجمع، وتخالف أعوان السلطان? ثم إن ابن طاهر عرف صدقه فتركه فسار وجاور بمكة. وكان تنتحله الكرامية (١)، وتعظمه؛ لأنه أستاذ محمد بن كرام، ولكنه سليم الاعتقاد بحمد الله.
وعن يحيى بن يحيى التميمي قال: إن لم يكن أحمد بن حرب من الأبدال، فلا أدري من هم?!
وقال محمد بن علي المروزي: يروي أشياء لا أصل لها.
قال نصر بن محمود البلخي: قال أحمد بن حرب: عبدت الله خمسين سنة فما وجدت حلاوة العبادة حتى تركت ثلاثة أشياء: تركت رضى الناس حتى قدرت أن أتكلم بالحق، وتركت صحبة الفاسقين حتى وجدت صحبة الصالحين، وتركت حلاوة الدنيا حتى وجدت حلاوة الآخرة.
وقيل: إنه استسقى لهم ببخارى فما انصرفوا إلا يخوضون في المطر، رحمة الله عليه.
مات سنة أربع وثلاثين ومائتين وقد قارب الستين.
(١) الكرامية: هي الفرقة الثانية عشرة من المرجئة، وهم أصحاب "محمد بن كرام" يزعمون أن الإيمان هو الإقرار والتصديق باللسان دون القلب، وأنكروا أن يكون معرفة القلب أو شيء غير التصديق باللسان إيمانًا، وزعموا أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله ﷺ مؤمنين على الحقيقة، وزعموا أن الكفر بالله هو الجحود والإنكار له باللسان.