قال السلمي في "محن الصوفية": ذو النون أول من تكلم ببلدته في ترتيب الأحوال، ومقامات الأولياء، فأنكر عليه عبد الله بن عبد الحكم، وهجره علماء مصر، وشاع أنه أحدث علمًا لم يتكلم فيه السلف وهجروه حتى رموه بالزندقة، فقال أخوه: إنهم يقولون: إنك زنديق، فقال:
ومالي سوى الإطراق والصمت حيلة … ووضعي كفي تحت خدي وتذكاري
قال: وقال محمد بن الفرخي: كنت مع ذي النون في زورق، فمر بنا زورق آخر، فقيل لذي النون: إن هؤلاء يمرون إلى السلطان يشهدون عليك بالكفر. فقال: اللهم إن كانوا كاذبين، فغرقهم. فانقلب الزورق، وغرقوا، فقلت له: فما بال الملاح? قال: لم حملهم وهو يعلم قصدهم? ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى، خير لهم من أن يقفوا شهود زور. ثم انتفض وتغير، وقال: وعزتك لا أدعو على أحد بعدها. ثم دعاه أمير مصر، وسأله عن اعتقاده، فتكلم، فرضي أمره، وطلبه المتوكل، فلما سمع كلامه، ولع به، وأحبه، وكان يقول: إذا ذكر الصالحون، فحي هلا بذي النون.
قال علي بن حاتم: سمعت ذا النون يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: مهما تصور في وهمك، فالله بخلاف ذلك. وسمعته يقول: الاستغفار جامع لمعان، أولهما: الندم على ما مضى، الثاني: العزم على الترك، والثالث: أداء ما ضيعت من فرض لله، الرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها، الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام، السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية.
وعن عمرو بن السرح: قلت لذي النون: كيف خلصت من المتوكل، وقد أمر بقتلك? قال: لما أوصلني الغلام، قلت في نفسي: يا من ليس في البحار قطرات، ولا في ديلج الرياح ديلجات، ولا في الأرض خبيئات، ولا في القلوب خطرات إلا وهي عليك دليلات، ولك شاهدات، وبربوبيتك معترفات، وفي قدرتك متحيرات، فبالقدرة التي تجير بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد، وعلى آل محمد، وأخذت قلبه عني. فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني، ثم قال: أتعبناك يا أبا الفيض.
وقال يوسف بن الحسين: حضرت مع ذي النون مجلس المتوكل، وكان مولعًا به، يفضله على الزهاد، فقال: صف لي أولياء الله. قال: يا أمير المؤمنين! هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته، وجللهم بالبهاء من إرادة كرامته، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته،