سعيد ويحيى، فقال لي سعيد: انظر ما تقول، أنت على يقين منها? قلت: نعم. قال: فأتني بكتابك. فخرجت مسرعًا، ثم ندمت، فأخرجتها من قرطاس، فسررت، وأتيته بالكتاب. قال: تمضي به إلى أبي محمد. فمضيت به إلى يحيى بن يحيى، فأعلمته، فاجتمعا بالقاضي، وقالا: هذا يخالفنا بالكذب، فاردعه، وكفه. فجمعهم القاضي ثانيًا، فتكلموا، فقال عبد الملك: قد أعلمتك بما يقول فيها أصبغ. فبدر عبد الأعلى، فقال: تكذب على أصبغ، أنا رويت هذه المسألة عنه على وفق ما قالا، وهذا كتابي. فقرأه القاضي، وقال: لعبد الملك: ما ساءه. وخرج عليه، وقال: تفتينا بالكذب والخطأ، وتخالف أصحابك بالهوى؟! لولا البقيا عليك لعاقبتك. قال عبد الأعلى: فلما خرجت، خطرت على دار ابن رستم الحاجب، فرأيت عبد الملك خارجًا من عنده في وجهه البشر، فقلت: لأدخلن على ابن رستم. فدخلت، فلم ينتظر جلوسي، وقال: يا مسكين من غرك -أو من أدخلك- في هذا? تعارض مثل ابن حبيب وتكذبه? فقلت: أصلحك الله، إنما سألني القاضي، فأجبت بما عندي. قال: وبعث الأمير إلى القاضي يقول: من أمرك أن تشاور عبد الأعلى؟ فبعث يثني عليَّ، ويقول: لم أر نفسي في سعة من ترك مشاورة مثله، فسأل الأمير وزراءه عن عبد الأعلى، فأثنوا عليه، ووصفوا علمه وولاءه.
قال سعيد بن فحلون: مات عبد الملك بن حبيب يوم السبت، لأربع مضين من رمضان، سنة ثمان وثلاثين ومائتين، بعلة الحصى، ﵀. ونقل آخر: أنه مات في ذي الحجة، سنة تسع وثلاثين، فالله أعلم.