بي حب للدنيا، ولا صبابة إليها، ولكني سمعت الله يقول: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [مريم: ٧١]، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم. فقال عبد الله بن رواحة:
لكنني أسأل الرحمن مغفرة … وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة … بحربه تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي … يا أرشد الله من غاز وقد رشدا
ثم إنه ودع النبي ﷺ، وقال:
ثبت الله ما آتاك من حسن … تثبيت موسى، ونصرا كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة … والله يعلم أني ثابت بصر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله … والوجه منه فقد أزرى به القدر
ثم خرج القوم حتى نزلوا معان، فبلغهم أن هرقل قد نزل مآرب في مائة ألف من الروم، ومائة ألف من المستعربة، فأقاموا بمعان يومين، وقالوا: نبعث إلى رسول الله ﷺ بخبره.
فشجع الناس عبد الله بن رواحة، فقال: يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون، الشهادة. وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشر المنزلتين. فقال الناس: والله لقد صدق فانشمر الناس، وهم ثلاثة آلاف، حتى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال له: مشارف، ثم انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق أحساء. وكانوا ثلاثة آلاف.
وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن المقبري، عن أبي هريرة، قال: شهدت مؤتة، فلما رآنا المشركون رأينا ما لا قبل لأحد به من العدة والسلاح والكراع والديباج والذهب. فبرق بصري، فقال لي ثابت بن أقرم: مالك يا أبا هريرة، كأنك ترى جموعا كثيرة؟ قلت: نعم. قال: لم تشهد معنا بدرا، إنا لم ننصر بالكثرة.
وقال المغيرة بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن نافع، عن ابن عمر، قال: أمر رسول الله ﷺ في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فإن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة. قال ابن عمر: كنت معهم، ففتشناه -يعني ابن رواحة- فوجدنا فيما أقبل من جسده بضعا وسبعين، بين طعنة ورمية.