عمر القاضي لم يجر بين اثنين فيما يتفاوضانه أحسن، ومن ما يجري بينهما فسأل أبا بكر عن العود الموجب لكفارة الظهار فقال: إعادة القول ثانيًا، وهو مذهبه ومذهب أبيه فطالبه بالدليل فشرع فيه فقال ابن سريج: يا أبا بكر هذا قول من من المسلمين تقدمكم فيه فغضب أبو بكر، وقال: أتظن أن من اعتقدت قولهم إجماعًا في هذه المسألة عندي إجماع أحسن أحوالهم أن أعدهم خلافًا، وهيهات أن يكونوا كذلك فغضب ابن سريج وقال: أنت بكتاب "الزهرة" أمهر منك بهذه الطريقة قال: وبكتاب "الزهرة" تعيرني، والله ما تحسن تستتم قراءته قراءة من يفهم، وأنه لمن أحد المناقب لي إذ أقول فيه:
أكرر في روض المحاسن مقلتي … وأمنع نفسي أن تنال محرما
وينطق سري عن مترجم خاطري … فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم … فما أن أرى حبا صحيحا مسلما
فقال ابن سريج: فأنا الذي أقول:
ومشاهد بالغنج من لحظاته … قد بت أمنعه لذيذ سباته
ضنا بحسن حديثه وعتابه … وأكرر اللحظات في وجناته
حتى إذا ما الصبح لاح عموده … ولى بخاتم ربه وبراته
فقال أبو بكر: أيد الله القاضي قد أخبر بحالة ثم ادعى البراءة مما توجبه فعليه البينة فقال ابن سريج: من مذهبي أن المقر إذا أقر إقرارًا ناطه بصفة كان إقراره موكولًا إلى صفته تلك.
قال محمد بن يوسف القاضي: كنت أساير محمد بن داود، فإذا بجارية تغني بشيء من شعره وهو:
أشكو غليل فؤاد أنت متلفه … شكوى عليل إلى ألف يعلله
سقمي تزيد مع الأيام كثرته … وأنت في عظم ما ألقى تقلله
الله حرم قتلي في الهوى سفهًا … وأنت يا قاتلي ظلما تحلله
وقيل: كان ابن داود خصمًا لابن سريج في المناظرة كانا يترادان في الكتب فلما بلغ ابن سريج موت محمد بن داود حزن له ونحى مخاده وجلس للتعزية وقال: ما آسى إلَّا على تراب يأكل لسأن محمد بن داود.