السمرة. فقال عباس -وكان رجلا صيتا- فقلت بأعلى صوتى: أي أصحاب السمرة. قال: فوالله، لكأنما عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيكاه، يا لبيكاه. فاقتتلوا هم والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار. ثم قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج. فنظر رسول الله ﷺ وهو على بغلته، كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال:"هذا حين حمي الوطيس". ثم أخذ حصيات فرمى بهن في وجوه الكفار، ثم قال:"انهزموا ورب محمد". فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، فوالله ما هو إلا أن رماهم رسول الله ﷺ بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا وأمرهم مدبرا. أخرجه مسلم.
وروى معمر، عن الزهري، عن كثير، نحوه، لكن قال: فروة بن نعامة الجذامي، وقال:"انهزموا ورب الكعبة".
وقال عكرمة بن عمار: حدثني إياس بن سلمة، قال: حدثني أبي، قال: غزونا مع رسول الله ﷺ حنينا، فلما واجهنا العدو، تقدمت فأعلوا ثنية فأستقبل رجلا من العدو فأرميه بسهم، وتوارى عني، فما دريت ما صنع. ثم نظرت إلى القوم، فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى، فالتقوا هم والمسلمون فولى المسلمون، فأرجع منهزما، وعلي بردتان متزر بإحداهما، مرتد بالأخرى. ومررت على رسول الله ﷺ منهزما وهو على بغلته الشهباء، فقال: لقد رأى ابن الأكوع فزعا. فلما غشوا رسول الله ﷺ نزل من البغلة، ثم قبض قبضة من تراب، ثم استقبل به وجوههم، فقال:"شاهت الوجوه". فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا من تلك القبضة فولوا مدبرين. وقسم رسول الله ﷺ غنائمهم بين المسلمين. أخرجه مسلم.
وقال أبو داود في مسنده: حدثنا حماد بن سلمة، عن يعلى بن عطاء، عن عبد الله بن يسار، عن أبي عبد الرحمن الفهري، قال: كنا مع رسول الله ﷺ في حنين، فذكر الحديث، وفيه: فحدثني من كان أقرب إليه مني أنه أخذ حفنة من تراب، فحثا بها في وجوه القوم، وقال:"شاهدت الوجوه". قال يعلى بن عطاء: فأخبرنا أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا: ما بقي منا أحد إلا امتلأت عيناه وفمه من التراب، وسمعنا صلصلة من السماء كمر الحديد على الطست، فهزمهم الله.
وقال عبد الواحد بن زياد: حدثنا الحارث بن حصيرة، قال: حدثنا القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال ابن مسعود: كنت مع رسول الله ﷺ يوم حنين، فولى عنه الناس، وبقيت معه في ثمانين رجلا من المهاجرين والأنصار، وهم الذين أنزل الله عليهم