للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الصولي: وأنا ما رأيت أسرع من يده!

وقيل: أسر سرًا إلى حماد بن إسحاق، فلما ولي، قال: أوك وعاءك، وعم طريقك.

فقال: نسيت سقائي فكيف أوكيه؟ وضللت طريقه فكيف أعميه؟

ومن شعره:

يا قاتلي بالصدود منه ولو … يشاء بالوصل كان يحييني

ومن يرى مهجتي تسيل على … تقبيل فيه ولا يواتيني

واحربى للخلاف منه ومن … خلائق فيك ذات تلوين

طيفك في هجعتي يصافيني … وأنت مستيقظًا تعاديني

قال الصولي: اشتد كبر العباس وجبريته، ثم مات المكتفي، فأمر العباس أمر بيعة المقتدر، وملك الأمور، وعلم الناس أنه يفعل ما يريد، فتفرغوا له، وألحقوا به اللوم، وقد أشاروا عليه بأن يختار للخلافة رجلًا مهيبًا، وإن أقمت من لم يخفه، لم يخفك، ويطلب كل إنسان منك زيادة رزق، فإن منعته عاداك. فكان الأمر كذلك، وفسد الناس، وهو مع هذا ثقيل: على قلب المقتدر وأمه وحاشيتها؛ لمنعه لهم من أشياء.

وكان الحسين بن حمدان الأمير يزعم أن العباس دس من يفسد جاريته المغنية ويمنيها، وكان ابن حمدان شغفًا بها، وكان محمد بن داود بن الجراح متولي ديوان الجيش، وكان الأمراء يطيعونه، فشغبهم على العباس، وواطأ من يثق به أنه يريد أن يبايع ابن المعتز، وأن المقتدر صبي. وكان لأحمد بن إسماعيل مملوك قد عتب عليه، فقدم كتابًا إلى العباس، يعلمه أنه راغب في الطاعة، فبعث يعده بإمرة الأمراء -أعني: المملوك- فسار يريد الحضرة في ألفي فارس، وعلم العباس باضطراب الأمر، فقال له المرزباني على رؤوس الملأ: أعز الله الوزير، استفسدت مثل أحمد بن إسماعيل لأجل مملوكه بارس، ولأحمد ألف غلام مثل بارس?! قال: أصطنعه، وأؤمره، فيعظم؛ أما كان النبي ﷺ أجيرًا لخديجة، ثم كان منه ما رأيت. قال الصولي: لولا أن أحمد بن طومار سمع هذا منه، ما صدقت. فخرج الحسين بن حمدان يقول: أوجدتني حجة؟ والله لأقتلنك. فلما قرب بارس، خاف أعداء العباس، فعزموا على قتله في الماء، فركب معه أمير في طيار (١)، وركب عدة في طيارات، ليقوموا له، فيفتكون به، فبدر طياره، فسبق، وخفي عليه عزمهم.


(١) الطيار: نوع من الزوارق.

<<  <  ج: ص:  >  >>