وعن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن المضارب، قال: رأيت ابن خزيمة في النوم، فقلت: جزاك الله عن الإسلام خيرًا. فقال: كذا قال لي جبريل في السماء.
قال الحاكم: حدثني أبو بكر محمد بن حمدون، وجماعة من مشايخنا -إلَّا أن ابن حمدون كان من أعرفهم بهذه الواقعة- قال: لما بلغ أبو بكر بن خزيمة من السن والرئاسة والتفرد بهما ما بلغ، كان له أصحاب صاروا في حياته أنجم الدنيا، مثل أبي علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي، وهو أول من حمل علوم الشافعي، ودقائق ابن سريج إلى خراسان، ومثل أبي بكر أحمد بن إسحاق -يعني: الضبعي- خليفة ابن خزيمة في الفتوى، وأحسن الجماعة تصنيفًا، وأحسنهم سياسة في مجالس السلاطين، وأبي بكر بن أبي عثمان، وهو آدبهم، وأكثرهم جمعًا للعلوم، وأكثرهم رحلة، وشيخ المطوعة والمجاهدين، وأبي محمد يحيى بن منصور، وكان من أكابر البيوتات، وأعرفهم بمذهب ابن خزيمة وأصلحهم للقضاء. قال: فلما ورد منصور بن يحيى الطوسي نيسابور، وكان يكثر الاختلاف إلى ابن خزيمة للسماع منه -وهو معتزلي- وعاين ما عاين من الأربعة الذين سميناهم، حسدهم، واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ القدري بباب معمر في أمورهم غير مرة، فقالا: هذا إمام لا يسرع في الكلام، وينهى أصحابه عن التنازع في الكلام وتعليمه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه وهو لا يدري، فإنهم على مذهب الكلابية، فاستحكم طمعهما في إيقاع الوحشة بين هؤلاء الأئمة.
قال الحاكم: سمعت الإمام أبا بكر أحمد بن إسحاق يقول: كان من قضاء الله -تعالى- أن الحاكم أبا سعيد لما توفي، أظهر ابن خزيمة الشماتة بوفاته، هو وجماعة من أصحابه -جهلًا منهم- فسألوه أن يتخذ ضيافة، وكان لابن خزيمة بساتين نزهة. قال: فأكرهت أنا من بين الجماعة على الخروج في الجملة إليها.
وحدثني أبو أحمد الحسين بن علي التميمي: أن الضيافة كانت في جمادى الأولى، سنة تسع وثلاث مائة، وكانت لم يعهد مثلها، عملها ابن خزيمة، فأحضر جملة من الأغنام والحملان، وأعدال السكر، والفرش، والآلات، والطباخين، ثم إنه تقدم إلى جماعة المحدثين من الشيوخ والشباب، فاجتمعوا بجنزروذ (١) وركبوا منها، وتقدمهم أبو بكر يخترق الأسواق سوقًا سوقًا، يسألهم أن يجيبوه، ويقول لهم: سألت من يرجع إلى الفتوة والمحبة لي أن يلزم جماعتنا اليوم. فكانوا يجيئون فوجًا فوجًا حتى لم يبق كبير أحد في البلد -يعني: نيسابور- والطباخون يطبخون، وجماعة من الخبازين يخبزون، حتى حمل أيضًا