وذكر جماعة: أن صاحب خبر ابن الفرات رفع إليه أن رجلًا من أرباب الحوائج اشترى خبزًا وجبنًا، فأكله في الدهليز، فأقلقه هذا، وأمر بنصب مطبخ لمن يحضر من أرباب الحوائج، فلم يزل ذلك طول أيامه.
قال ابن فارس اللغوي: حدثنا أبو الحسن البصري: قال لي رجل: كنت أخدم الوزير ابن الفرات، فحبس وله عندي خمس مائة دينار، فتلطفت بالسجان حتى أدخلت، فلما رآني، تعجب، وقال: ألك حاجة؟ فأخرجت الذهب، وقلت: تنتفع بهذا. فأخذه مني، ثم رده، وقال: يكون عندك وديعة. فرجعت، ثم أفرج عنه بعد مدة، وعاد إلى دسته، فأتيته، فطأطأ رأسه، ولم يملأ عينيه مني، وطال إعراضه، حتى أنفقت الذهب، وساءت حالي إلى يوم، فقال لي: وردت سفن من الهند، ففسرها واقبض حق بيت المال، وخذ رسمنا. فعدت إلى بيتي، فأعطتني المرأة خمارًا وقرطتين، فبعت ذلك، وتجهزت به، وانحدرت، وفسرت السفن، وقبضت الحق ورسم الوزير، وأتيت بغداد، فقال الوزير: سلم حق بيت المال، واقبض الرسم إلى بيتك. قلت: هو خمسة وعشرون ألف دينار. قال: فحفظتها، وطالت المدة، ورأى في وجهي ضرًا، فقال: ادن مني، ما لي أراك متغير اللون، سيء الحال. فحدثته بقصتي، قال: ويحك! وأنت ممن ينفق في مدة يسيرة خمسة وعشرين ألفًا؟! قلت: ومن أين لي ذلك؟ قال: يا جاهل! ما قلت لك احملها إلى منزلك، أتراني لم أجد من أودعه غيرك؟ ويحك! أما رأيت إعراضي عنك؟ إنما كان حياء منك، وتذكرت جميل صنعك وأنا محبوس، فصر إلى منزلك، واتسع في النفقة، وأنا أفكر لك في غير ذلك.
ذكر ابن مقلة أنه حضر مجلس ابن الفرات في أول وزارته، فأدخل إليه عبيد الله بن عبد الله بن طاهر في محفة، فدفع الوزير إليه عشرة آلاف درهم سرًا، فأنشد:
أياديك عندي معظمات جلائل … طوال المدى شكري لهن قصير
فإن كنت عن شكري غنيًا فإنني … إلى شكر ما أوليتني لفقير
قيل: كان ابن الفرات يلتذ بقضاء حوائج الرعية، وما رد أحدا قط عن حاجة رد آيس، بل يقول: تعاودني أو يقول: أعوضك من هذا.
سمع: الصولي عبيد الله بن عبد الله بن طاهر يقول: حين وزر ابن الفرات، ما افتقرت الوزارة إلى أحد قط افتقارها إليه.
قال الصولي: لما قبض على ابن الفرات، نظرنا، فإذا هو يجري على خمسة آلاف نفس،