وكان أبيض كث اللحية يخضب دينًا عالمًا متعبدًا وقورًا من جلة الخلفاء وأمثلهم. عده ابن الصلاح في الشافعية. تفقه على أبي بشر أحمد بن محمد الهروي.
قال الخطيب: كان من الدين، وإدامة التهجد، وكثرة الصدقات على صفة اشتهرت عنه. وصنف كتابًا في الأصول، ذكر فيه فضل الصحابة، وإكفار من قال: بخلق القرآن. وكان ذلك الكتاب يقرأ في كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث، ويحضره الناس مدة خلافته، وهي إحدى وأربعون سنة وثلاثة أشهر.
قلت: قام بخلافته بهاء الدولة كما تقدم في سنة إحدى وثمانين، واستقدموه من البطائح فجهزه أميرها مهذب الدولة علي بن نصر، وحمله من الآلات والرخت بما أمكن، وأعطاه طيارًا فلما قدم واسط، أتاه الأجناد، وطلبوا رسم البيعة، وهاشوا، فوعدهم بالجميل، فرضوا، فكان مقامه بالبطيحة أزيد من سنتين، فقدم، واستكتب أبا الفضل محمد بن أحمد عارض الديلم، وجعل أستاذ داره عبد الواحد الشيرازي وحلف هو وبهاء الدولة كل منهما لصاحبه ثم سلطنه.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني، أن القادر كان يلبس زي العامة، ويقصد الأماكن المباركة. وطلب من أبي الحسن بن القزويني أن ينفذ له من طعامه، فنفذ باذنجانًا مقلوًا بخل وباقلى ودبسا، فأكل منه وفرق، وبعث إليه بمائتي دينار فقبلها. ثم طلب منه بعد طعاما، فبعث إليه زبادي فراريج ودجاج وفالوذج، فتعجب الخليفة وسأله، فقال: لم أتكلف، ولما وسع علي وسعت على نفسي فأعجبه، وكان يتفقده.
وعملت الرافضة عيد الغدير، يعني: يوم المؤاخاة، فثارت السنة، وقووا، وخرقوا علم السلطان. وقتل جماعة، وصلب آخرون، فكفوا.
وفي هذا القرب طلب أمير مكة أبو الفتوح العلوي الخلافة، وتسمى بالراشد بالله، ولحق بآل جراح الطائي بالشام، ومعه أقاربه، ونحو من ألف عبد، وحكم بالرملة، فانزعج العزيز بمصر، وتلطف بالطائيين، وبذل لهم الأموال، وكتب بإمارة الحرمين لابن عم الراشد، فوهن أمر الراشد، فأجاره أبو حسان الطائي، وتلطف له حتى عاد إلى إمرة مكة.
وفيها استولى بزال على دمشق، وهزم متوليها منيرًا.
ونقص التشيع من بغداد، واستضرت الأمراء على بهاء الدولة، وقهروه حتى سلم إليهم أبا الحسن ابن المعلم الكوكبي، فخنق، وعظم القحط ببغداد.