للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التركي البساسيري، عظم شأنه لعدم نظير له. وتهيبته أمراء العرب والعجم، ودعي له على المنابر. وظلم وخرب القرى، وانقهر معه القائم، ثم تحدث بأنه يريد نهب دار الخلافة، وعزل القائم. فكاتب القائم طغرلبك ملك الغز يستنهضه، وكان بالري، ثم أحرقت دار البساسيري، وهرب، وقدم طغرلبك في سنة ٤٤٧، وذهب البساسيري إلى الرحبة ومعه عسكر، فكاتب المستنصر فأمده من مصر بالأموال، ومضى طغرلبك سنة تسع إلى نصيبين ومعه أخوه ينال، فكاتب البساسيري ينال فأفسده، وطمع بمنصب أخيه. فسار بجيش ضخم إلى الري، فسار أخوه في أثره، وتفرقت الكلمة. والتقى الأخوان بهمذان. وظهر ينال، واضطرب أمر بغداد، ووقع النهب، وفرت زوجة طغرلبك في جيش نحو همذان. فوصل البساسيري في ذي القعدة إلى الأنبار. وبطلت الجمعة، ودخل شاليش عسكره، ثم دخل هو بغداد في الرايات المصرية، وضرب سرادقه على دجلة، ونصرته الشيعة. وكان قد جمع العيارين والفلاحين، وأطمعهم في النهب. وعظم القحط، واقتتلوا في السفن. ثم في الجمعة المقبلة دعي لصاحب مصر بجامع المنصور، وأذنوا: بحي على خير العمل. وخندق الخليفة حول داره، ثم نهض البساسيري في أهل الكرخ وغيرهم إلى حرب القائم، فاقتلوا يومين، وكثرت القتلى، وأحرقت الأسواق، ودخلوا الدار فانتهبوها، وتذمم القائم إلى الأمير قريش العقيلي. وكان ممن قام مع البساسيري -فأذمه، وقبل بين يديه. فخرج القائم راكبًا، بين يديه الراية، والأتراك بين يديه، وأنزل في خيمة، ثم قبض البساسيري على الوزير أبي القاسم علي بن المسلمة، والقاضي أبي عبد الله الدامغاني، وجماعة، فصلب الوزير فهلك.

وكان القائم فيه خير واهتمام بالرعية، وقضاء للحوائج. وقيل: إنه لما بقي معتقلًا عند العرب كتب قصة، وبعث بها إلى بيت الله مستعديا ممن ظلمه وهي: إلى الله العظيم من المسكين عبده: اللهم إنك العالم بالسرائر، المطلع على الضمائر. اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك علي عن إعلامي، هذا عبدك قد كفر نعمك وما شكرها، أطغاه حلمك حتى تعدى علينا بغيا. اللهم قل الناصر واعتز الظالم، وأنت المطلع الحاكم، بك نعتز عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك. فاحكم بيننا بالحق، وأنت خير الحاكمين.

وأما ما كان من طغرلبك، فإنه ظفر بأخيه وقتله. ثم كاتب متولي عانة في أن يرد القائم إلى مقر عزه.

وقيل: إن البساسيري عزم على ذلك لما بلغه السلطان طغرلبك، فحصل القائم في مقر دولته في الخامس والعشرين من ذي القعدة، سنة إحدى وخمسين.

ثم جهز طغرلبك عسكرا قاتلوا البساسيري فقتل وطيف برأسه. فكانت الخطبة للمستنصر ببغداد سنة كاملة.

توفي القائم في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربع مائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>