بذلك، ففزع الطفل، وبال على كتف الملك عباس، ولقبوه الفائز، وبعثوه إلى أمه، واختل عقله من حينئذ، وصار يتحرك ويصرع، ودانت الممالك لعباس.
وأما أهل القصر، فاطلعوا على باطن القضية، وأقاموا المآتم على الثلاثة، وتحيلوا، وكاتبوا طلائع بن رزيك الأرمني الرافضي، والي المنية، وكان ذا شهامة وإقدام. فسألوه الغوث، وقطعوا شعور النساء والأولاد، وسيروها في طي الكتاب وسخموه، فلما تأمله اطلع من حوله من الجند عليه، وبكوا، ولبس الحداد، واستمال عرب الصعيد، وجمع وحشد، وكاتب أمراء القاهرة، وهيجهم على طلب الثأر، فأجابوه. فسار إلى القاهرة، فبادر إلى ركابه جمهور الجيش، وبقي عباس في عسكر قليل. فخارت قواه وهرب هو وابنه نصر ومماليكه والأمير ابن منقذ.
ونقل ابن الأثير: أن أسامة هو الذي حسن لعباس وابنه اغتيال الظافر وقتل العادل. وقيل: إن الظافر، أقطع نصر ابن عباس قليوب. فقال: أسامة: ما هي في مهرك بكثير.
ثم قصد عباس الشام على ناحية أيله في ربيع الأول، فما كانت أيامه بعد قتل الظافر إلَّا يسيرة، واستولى الصالح طلائع بن رزيك على ديار مصر بلا ضربة ولا طعنة، فنزل إلى دار عباس، وطلب الخادم الصغير الذي كان مع الظافر، وسأله عن المكان الذي دفن فيه أستاذه، فأعلمه، فقلع بلاطه، وأخرج الظافر ومن معه من القتلى، وحملوا وناحوا عليهم، وتكفل طلائع بالفائز، ودبر الدولة.
وجهزت أخت الظافر رسولًا إلى الفرنج بعسقلان، وبذلت لهم مالًا عظيمًا إن أسروا لها عباسا وابنه، فخرجوا عليه، فالتقاهم، فقتل في الوقعة، وأخذت خزائنه، وأسروا ابنه نصرا، وبعثوه إليها في قفص حديد، فلما وصل، قبض رسولهم المال، وذلك في ربيع الأول سنة خمسين، فقطعت يد نصر، وضرب بالمقارع كثيرًا، وقص لحمه، ثم صلب فمات، فبقي معلقا شهورا، ثم أحرق.