قد ألف أبو حامد محمد بن محمد الشافعي الغزالي في ذم الفلاسفة كتاب "التهافت" وكشف عوارهم، ووافقهم في مواضع ظنا منه أن ذلك حق، أو موافق للملة، ولم يكن له علم بالآثار ولا خبرة بالسنن النبوية القاضية على العقل، وحبب إليه إدمان النظر في كتاب "رسائل إخوان الصفا" وهو داء عضال، وجرب مرد، وسم قتال، ولولا أن أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف، فالحذار الحذار من هذه الكتب واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحيرة فمن رام النجاة والفوز فليلزم العبودية وليدمن الاستغاثة بالله وليبتهل إلى مولاه في الثبات على الإسلام، وأن يتوفى على إيمان الصحابة، وسادة التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم يغفر له وينجو، إن شاء الله.
وقال في "السير""١٢/ ١٨٥":
قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري مؤلف كتاب "ذم الكلام": سمعت عبد الصمد بن محمد، سمعت أبي يقول: أنكروا على أبي حاتم ابن حبان قوله: "النبوة": "العلم والعمل"، فحكموا عليه بالزندقة، وهجر، وكتب فيه إلى الخليفة، فكتب بقتله.
فعقب الذهبي ﵀"١٢/ ١٨٥ - ١٨٦" بقوله:
قلت: هذه حكاية غريبة، وابن حبان فمن كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها، قد يطلقها المسلم، ويطلقها الزنديق الفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن يعتذر عنه، فتقول: لم يرد حصر المبتدأ في الخبر، ونظير ذلك قوله ﵊:"الحج عرفة". ومعلوم أن الحاج لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل بقي عليه فروض وواجبات، وإنما ذكر مهم الحج. وكذا هذا ذكر مهم النبوة، إذ من أكمل صفات النبي كمال العلم والعمل، فلا يكون أحد نبيا إلا بوجودهما، وليس كل من برز فيهما نبيا، لأن النبوة موهبة من الحق تعالى، لا حيلة للعبد في اكتسابها، بل بها يتولد العلم اللدني والعمل الصالح.
وأما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كفر، ولا يريده أبو حاتم أصلا، وحاشاه، وإن كان في تقاسيمه من الأقوال، والتأويلات البعيدة، والأحاديث المنكرة، وعجائب، وقد اعترف أن "صحيحه" لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه، كمن عنده مصحف لا يقدر على موضع آية يريدها منه إلا من يحفظه.