قال الخطيب: حكى لي أبو العلاء الواسطي أنَّ دعلجًا سُئِلَ عن مفارقته مكة، فقال: خرجت ليلة من المسجد فتقدَّم ثلاثة من الأعراب فقالوا: أخ لك من خراسان قَتل أخانا، فنحن نقتلك به، فقلت: اتقوا الله، فإن خراسان ليست بمدينة واحدة، ولم أزل بهم إلى أن اجتمع الناس وخلّوا عنِّي، فهذا كان سبب انتقالي إلى بغداد. وكان يقول: ليس في الدنيا مثل داري، وذلك لأنه ليس في الدنيا مثل بغداد، ولا ببغداد مثل محلة القطيعة، ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف، ولي في الدرب مثل داري.
ونقل أبو بكر الخطيب حكايةً مقتضاها أنَّ رجلًا صلَّى الجمعة فرأى رجلًا متنسِّكًا لم يصل، فكلَّمه فقال: استر عليَّ، لدعلج عليَّ خمسة آلاف، فلمَّا رأيته أحدثت، فبلغ ذلك دعلجًا، فطلبه إلى منزله وحلله من المال، ووصلة بمثلها لكونه رَوَّعَه.
قال الخطيب: حدَّثنا أبو منصور محمد بن محمد العكبري، حدثني أحمد بن الحسين الواعظ، قال: أودع أبو عبد الله بن أبي موسى الهاشمي عشرة آلاف دينار ليتيم، فضاقت يده فأنفقها، وكَبُر الصبي، وأذن له في قبض ماله، قال ابن أبي موسى: فضاقت عليَّ الأرض وتحيِّرت، فبكرت على بغلتي وقصدت الكرخ، فانتهت بي البغلة إلى درب السلولي، ووقفت بي على باب مسجد دعلج، فدخلت فصليت خلفه الفجر، فلمَّا انفتل رحَّب بي، وقمنا فدخلنا داره، فقُدِّمَت لنا هريسة، فأكلت وقصرت، فقال: أراك منقبضًا، فأخبرته، فقال: كُلْ فإنَّ حاجتك تُقْضَى، فلمَّا فرغنا استدعى بالذهب والميزان، فوزن لي عشرة آلاف دينار، وقمت أطير فرحًا، فوضعت المال على القربوس وغطيته بطيلساني، ثم سلمت المال إلى الصبي بحضرة قاضي القضاة، وعظم الثناء عليّ، فلما عدت إلى منزلي استدعاني أمير من أولاد الخليفة، فقال: قد رغبت في معاملتك وتضمينك أملاكي، فضمنتها فربحت في سنتي ربحًا عظيمًا، وكسبت في ثلاث سنين ثلاثين آلف دينار، وحملت لدعلج المال، فقال: سبحان الله، والله ما نويت أخذها، حل بها الصبيان، فقلت: أيها الشيخ، أيش أصل هذا المال حتى تهب لي عشرة آلاف دينار؟ فقال: نشأت وحفظت القرآن وطلبت الحديث، وكنت أتبزز، فوافاني تاجر من البحر، فقال: أنت دعلج؟ قلت: نعم، قال: قد رغبت في تسليم مالي إليك مضاربة، فسلَّم إلي برنامجات بألف درهم، وقال لي: ابسط يدك فيه ولا تعلم مكانًا ينفق فيه المتاع إلَّا حملته إليه، ولم يزل يتردد إليَّ سنة بعد سنة، يحمل إليَّ مثل هذا، والبضاعة تنمي، ثم قال: أنا كثير الأسفار في البحر، فإن هلكت فهذا المال لك، على أن تصدق منه وتبني المساجد، فأنا أفعل مثل هذا، وقد ثَمَّر الله المال في يدي، فاكتم عليَّ ما عشت.