للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظمهم عنده أحسنهم مواساة.

فسألته عن مجلسه كيف كان يصنع فيه؟ فقال: كان رسول الله لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، ولا يوطن الأماكن وينهى عن إيطانها، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كل جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه.

من جالسه أو قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف. ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها، أو بميسور من القول قد وسع الناس منه بسطة وخلقه، فصار لهم أبا، وصاروا عنده في الحق سواء. مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات، ولا تؤبن فيه الحرم، ولا تنثي فلتاته، متعادلين يتفاضلون فيه بالتقوى، متواضعين يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة، ويحفظون الغريب. أخرج الترمذي أكثره مقطعا في "كتاب الشمائل".

ورواه زكريا بن يحيى السجزي، وغيره، عن سفيان بن وكيع.

ورواه إسحاق بن راهوية، وعلي بن محمد بن أبي الخصيب، عن عمرو بن محمد العنقزي، قال: حدثنا جميع بن عمر العجلي، عن رجل يقال له: يزيد بن عمر التميمي -من ولد أبي هالة- عن أبيه، عن الحسن بن علي، وفيه زائد من هذا الوجه وهو: فسألته عن سيرته في جلسائه، فقال: كان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب، ولا فحاش، ولا عياب، ولا مزاح، يتغافل عما لا يشتهيه، ولا يؤيس منه، ولا يحبب في، قد ترك نفسه من ثلاث: من المراء، والإكثار وما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه. إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا، ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له، وكان يضحك مما يضحكون منه، ويتعجب مما يتعجبون، ويصبر للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليتسجلبونهم، ويقول: "إذا رأيتم صاحب الحاجة يطلبها فارفدوه"، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ، ولا يقطع على أحد حديثه بنهي أو قيام.

فسألته: كيف كان سكوته؟ قال: على أربع: على الحلم، والحذر، والتدبر، والتفكر، فأما تدبره، ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم في الصبر، فكان لا يغضبه شيء ولا يستفزه. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بالخير

<<  <  ج: ص:  >  >>