وقيل: إنَّ أبا نعيم الحافظ ذكر له ابن منده، فقال: كان جبلًا من الجبال. فهذا يقوله أبو نعيم مع الوحشة الشديدة التي بينه وبينه.
قال أبو عبد الله بن أبي ذهل: سمعت أبا عبد الله بن منده يقول: لا يُخَرِّج الصحيح إلَّا من ينزل في الإسناد أو يكذب، يعني: إن المشايخ المتأخرين لا يبلغون في الإتقان رتبة الصحة، فيقع في الكذب الحافظ إن خرج عنهم وسمَّاه صحيحًا، أو يروي الحديث بنزول درجة ودرجتين.
وقيل: كان ابن منده إذا قيل له: فاتك سماع كذا وكذا، يقول: ما فاتنا من البصرة أكثر.
قلت: ما دخل البصرة، فإنه ارتحل إليها إلى مسندها علي بن إسحاق المادرائي، فبلغ موته قبل وصوله إليها، فحزن ورجع.
ومن تصانيفه: كتاب "الإيمان"، كتاب "التوحيد"، كتاب "الصفات"، كتاب "التاريخ" كبير جدًّا، كتاب "معرفة الصحابة"، كتاب "الكنى"، وأشياء كثيرة.
قال الحافظ أبو القاسم ابن عساكر: لابن منده في كتاب "معرفة الصحابة" أوهام كثيرة.
وقال أبو نعيم في "تاريخ أصبهان": ابن منده حافظ من أولاد المحدثين، اختلط في آخر عمره، فحدّث عن ابن أسيد، وابن أخي أبي زرعة الرازي، وابن الجارود بعد أن سمع منه أن له عنهم إجازةً، وتخبط في أماليه، ونسب إلى جماعة أقوالًا في المعتقدات لم يعرفوا بها، نسأل الله الستر والصيانة.
قلت: لا نعبأ بقولك في خصمك للعداوة السائرة، كما لا نسمع أيضًا قوله فيك، فلقد رأيت لابن منده حطًّا مقذعًا على أبي نعيم وتبديعًا، وما لا أحب ذكره، وكل منهما فصدوق في نفسه، غير متَّهم في نقله بحمد الله.
قال أحمد الباطرقاني: كتب إمام دهره أبو أحمد العسَّال إلى ابن منده، وهو بنيسابور في حديث أشكل عليه، فأجابه بإيضاحه، وبيان علته.
ونقل غير واحد عن أبي إسحاق بن حمزة أنه قال: ما رأيت مثل أبي عبد الله بن منده.
أنبأني علي بن أحمد وطائفة، عن زاهر بن أحمد: أخبرنا الحسين بن عبد الملك قال: كتب إليَّ عبد الرحمن بن أبي عبد الله: إنَّ والده كتب عن أربعة مشايخ أربعة آلاف جزء، وهم: أبو سعيد بن الأعرابي، وأبو العباس الأصمّ، وخيثمة الأطرابلسي، والهيثم الشاشي. قال: وسمعت أبي يقول: كتبت عن ألف وسبع مائة نفس.