حدث عن: أبي عيسى الليثي، وأبي محمد الباجي، وأبي جعفر بن عون الله، وطبقتهم، وحج، وسمع: بمصر من طائفة. وجاور بالمدينة.
وقد تفقه بأبي محمد الأصيلي، وأبي عمر بن المكوي.
وكان رأسًا في الفقه، مقدمًا في الزهد، موصوفًا بالحفظ، مفرط الذكاء، عارفًا بالإجماع والاختلاف، عديم النظير، يحفظ المدونة سردًا، والنوادر لأبي محمد بن أبي زيد.
أريد على الرسلية إلى أمراء البربر، فأبى، وقال: بي جفاء، وأخاف أن أوذى. فقال الوزير: ورجل صالح يخاف الموت! فقال: إن أخفه، فقد خافه أنبياء الله، هذا موسى قد حكى الله عنه: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾ [الشعراء: ٢١].
قال ابن حيان: توفي الفقيه الحافظ المشاور، المستبحر الرواية، البعيد الأثر، الطويل الهجرة في طلب العلم، الناسك المتقشف، أبو عبد الله بن الفخار بمدينة بلنسية في عاشر ربيع الأول سنة تسع عشرة وأربع مائة. فكان الحفل في جنازته عظيمًا. وعاين الناس فيها أيةً من طيور شبه الخطاف وما هي بها تخللت الجمع رافةً فوق النعش، جانحةً إليه، مشفةً إليه، لم تفارق نعشه إلى أن ووري، فتفرقت، وتحدث الناس بذلك وقتًا. مكث مدة ببلنسية مطاعًا، عظيم القدر عند السلطان والعامة، وكان ذا منزلة عظيمة في الفقه والنسك، صاحب أنباء بديعة.
قال جماهر بن عبد الرحمن: صلى على ابن الفخار الشيخ خليل التاجر، ورفرفت عليه الطير إلى أن تمت مواراته.
وكذا ذكر الحسن بن محمد القبشي من خبر الطيور، وزاد: كان عمره نحو الثمانين، وكان يقال: إنه مجاب الدعوة. واختبرت دعوته في أشياء.
وقال أبو عمرو الداني: مات في سابع ربيع الأول سنة ٤١٩ عن ست وسبعين سنة، وهو آخر الفقهاء الحفاظ، الراسخين العالمين بالكتاب والسنة بالأندلس. ﵀.
وقال القاضي عياض: كان أحفظ الناس، وأحضرهم علمًا، وأسرعهم جوابًا، وأوقفهم على اختلاف الفقهاء وترجيح المذاهب، حافظًا للأثر، مائلًا إلى الحجة وانظر. فر عن قرطبة إذ نذرت البربر دمه عند غلبتهم على قرطبة.
قلت: سميه الحافظ أبو عبد الله بن الفخار المالقي، مات سنة تسعين وخمس مائة.