للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلت: ما هؤلاء بأصحاب الحديث، بل فجرة جهلة، أبعد الله شرهم.

قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر: ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد الأصبهاني عمن أدرك من شيوخ أصبهان أن السلطان محمود بن سبكتكين لما استولى على أصبهان، أمر عليها واليًا من قبله، ورحل عنها، فوثب أهلها بالوالي، فقتلوه، فرجع السلطان إليها، وآمنهم حتى اطمأنوا، ثم قصدهم في يوم جمعة وهم في الجامع، فقتل منهم مقتلةً عظيمةً، وكانوا قبل ذلك منعوا الحافظ أبا نعيم من الجلوس في الجامع، فسلم مما جرى عليهم، وكان ذلك من كرامته.

وقال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: رأيت بخط أبي بكر الخطيب: سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم، عن جزء محمد بن عاصم: كيف قرأته على أبي نعيم، وكيف رأيت سماعه؟ فقال: أخرج إلي كتابًا، وقال: هو سماعي، فقرأته عليه. ثم قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أن يقول في الإجازة: أخبرنا. من غير أن يبين.

قال الحافظ أبو عبد الله ابن النجار: جزء محمد بن عاصم قد رواه الأثبات عن أبي نعيم، والحافظ الصادق إذا قال: هذا الكتاب سماعي، جاز أخذه عنه بإجماعهم.

قلت: قول الخطيب: كان يتساهل … إلى آخره، هذا شيء قل أن يفعله أبو نعيم، وكثيرًا ما يقول: كتب إلي الخلدي. ويقول: كتب إلي أبو العباس الأصم، وأخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه. ولكني رأيته يقول في شيخه عبد الله بن جعفر بن فارس الذي سمع: منه كثيرًا وهو أكبر شيخ له: أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه. فيوهم أنه سمعه، ويكون مما هو له بالإجازة، ثم إطلاق الإخبار على ما هو بالإجازة مذهب معروف قد غلب استعماله على محدثي الأندلس، وتوسعوا فيه. وإذا أطلق ذلك أبو نعيم في مثل الأصم وأبي الميمون البجلي والشيوخ الذين قد علم أنه ما سمع: منهم بل له منهم إجازة، كان له سائغًا، والأحوط تجنبه.

حدثني أبو الحجاج الكلبي الحافظ أنه رأى خط الحافظ ضياء الدين قال: وجدت بخط أبي الحجاج بن خليل أنه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم.

قلت: فبطل ما تخيله الخطيب، وتوهمه، وما أبو نعيم بمتهم، بل هو صدوق عالم بهذا الفن، ما أعلم له ذنبًا -والله يعفو عنه- أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه، ثم يسكت عن توهيتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>