قال الأمير عزيز: حسد ابن عباد، وقالوا: قتل يحيى الإدريسي من أهل البيت، وقتل ابن ذي النون ظلمًا، فبقي يفكر فيما يفعله، فجاءه رجل، فقال: رأيت المؤيد. فقال: انظر ما تقول! قال: إي والله هو هو. وقال تومرت -عبد كان يخدم المؤيد: وأنا إذا رأيت سيدي، عرفته، ولي فيه علامات. فأرسل رجلًا مع ذلك الرجل إلى قلعة رباح، فوجداه، فقدم معهما، فلما رآه تومرت، وثب، وقبل قدمه، وقال: مولاي والله! فقبل حينئذ القاضي يده، ثم بويع، وأخرجه يوم الجمعة، ومشوا بين يديه إلى الجامع، ثم خطب المؤيد الناس، وصلى بهم، وبقي ابن عباد كالحاجب له على قاعدة الحاجب المنصور بن أبي عامر، غير أن المؤيد يخرج إلى الجمعة دائمًا، ودانت له أكثر المدن.
قال عزيز: هرب المؤيد من قرطبة عام أربع مائة متنكرًا حتى قدم مكة ومعه كيس جواهر، فشعر به حرامية مكة، فأخذوه منه، وبقي يومين لم يطعم، ثم عمل في الطين وتقوت، ثم توصل إلى القدس، فتعلم نسج الحصر، ثم رجع إلى الأندلس سنة ٢٤.
قال عزيز: هذا رواه مشايخ.
وقال ابن حزم: فضيحة! أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام يسمون أمير المؤمنين في وقت؛ أحدهم خلف الحصري بإشبيلية على أنه المؤيد بالله، والثاني محمد بن القاسم الإدريسي بالجزيرة الخضراء، والثالث محمد بن إدريس بن علي بن حمود بمالقة، والرابع إدريس بن يحيى بن علي بن حمود بشنترين. فهذه أخلوقة لم يسمع: بمثلها! وخطب لخلف على المنابر، وسفكت الدماء، وتصادمت الجيوش، فأقام في الأمر نيفًا وعشرين سنة، وابن عباد القاضي كالوزير بين يديه.
قلت: مات القاضي في جمادى الأولى، سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، ودفن بقصر إشبيلية، وخلفه ابنه المعتضد بالله عباد، فدامت دولته إلى سنة أربع وستين وأربع مائة.
وقيل: بل بقي القاضي محمد إلى سنة تسع وثلاثين، وكان يستعين بالوزير محمد بن الحسن الزبيدي، وبعيسى بن حجاج الحضرمي، وبعبد الله بن علي الهوزني، وكان له ابنان: إسماعيل قتل في مصاف، والمعتضد الذي تملك بعده.